الوجه الثاني : ان الفعل المتجرّى به لا يكون قبيحا بعنوان كون شربا للخل ولا بعنوان كونه شربا للخمر اذ ليس هو شربا للخمر ، على الفرض ، وبعنوان كونه مقطوع الخمرية لا يكون ملتفتاً اليه غالبا ، فلا يكون فعلا اختياريا حتى على المبنى القائل بانه يكفي في اختيارية الفعل كونه مقدورا وملتفتا اليه ، فلا يكون قبيحا لما ذكرنا من انه لا بد في اتصاف الفعل بالقبح والحسن ان يكون فعلا اختياريا للمكلف (١).
وأشكل عليه المحقق النائيني بأنه على هذا لا يمكن ان يؤخذ القطع في موضوع الحكم ، وذلك من جهة انه اذا لم يكن القطع ملتفتاً اليه لا يمكن وصول الحكم الذي اخذ القطع موضوعاً له ، فان العلم بالحكم متوقف على الالتفات الى موضوعه ، فاذا فرض اخذ القطع في الموضوع ولم يكن ملتفتاً اليه لا يمكن وصول الحكم ، وجعل الحكم الذي لا يمكن وصوله لغو محض ، مع ان صاحب الكفاية نفسه قائل بالقطع الموضوعي (٢).
ولكن التحقيق عدم تمامية كلا الكلامين.
أما كلام المحقق النائيني (ره) فلأن صاحب الكفاية لم يقل بأن الالتفات الى القطع محال عقلا ، بل المراد من كلامه ان المكلف حيث أراد شرب الخمر فيكون عنوان مقطوع الخمرية طريقا الى الخمر الواقعي ، ويكون النظر اليه نظرا آليا لا استقلالياً ، بل النظر الاستقلالي الى الخمر وشربه ، فيكون القطع بالخمر آلة ومرآة ، والشاهد على ذلك قيد الغالب في كلامه ، حيث ذكر انه لا يلتفت اليه غالبا ، فالقطع حيث إنه آلة ومرآة الى الواقع لا يكون ملتفتاً اليه بالتفصيل والاستقلال بل يكون الالتفات اليه بنحو الآلية والاجمال. وهذه النكتة لا تأتي فيما اذا كان القطع موضوعياً ، فان القطع فيه لا يكون آلة ومرآة الى أمر واقعي ، بل هو بنفسه موضوع للحكم ، فيكون ملتفتاً اليه بالاستقلال ، ولا يكون مغفولاً عنه.
__________________
(١) كفاية الأصول ، المقصد ٦ ، ص ، ٢٦٠.
(٢) فوائد الأصول ، ج ٣ ، ص ٤٤.