أما أولاً : فلأن المفسدة فاعلية تارة وفعلية اخرى ، وذلك لما قلناه من انه ليس هناك نسبة خارجية بين الفعل والفاعل فلا معنى لكونه تترتب عليه المفسدة تارة ولا تترتب عليه اخرى. والنسبة الذهنية القائمة بين الفعل والفاعل في عالم الذهن باعتبار اضافة الفعل الى الفاعل انما هي باعتبار حصص الفعل وافراده ، يعني ان الفعل له حصص وافراد خارجية فضرب زيد فرد من الضرب ، وضرب عمرو فرد آخر من الضرب ، وتصور هذين الفردين في الذهن يستدعي وجود نسبة ذهنية قائمة بين الضرب وزيد ، اذاً فكنس المعبر له افراد وحصص في الخارج بعضها يترتب عليه المفسدة وبعضها لا يترتب عليه المفسدة.
واما ثانيا : فلأنا لو سلمنا ذلك في المفسدة والمصلحة فلا نسلم رجوع الحسن والقبح الى المصلحة والمفسدة ، فان الفعل في حد نفسه لا يتصف بالحسن والقبح اصلا ، وانما يتصف بهما باعتبار صدوره من الفاعل كما قلنا ، فقبح الفعل دائما يكون فاعليا أي باعتبار صدوره من الفاعل ، وهذا لا ينافي ما مر من ان القبح دائما يتقدم بالفعل كما لا يخفى وجهه على المتأمل.
المقام الثالث
في كون المتجري مستحقا للعقاب
بناء على ما ذكرنا في المقام الثاني من ان التعدي على المولى وسلبه حقه انما هو باتيان المكلف بما اعتقد حرمته وان فيه مخالفة لأمر المولى ، وبناء على ما مر ايضا في الابحاث السابقة من ان المعروف بينهم ان استحقاق العقاب من الآثار المترتبة على سلب المولى حقه وظلمه ، وان العقل يدرك استحقاق العقاب على سلب المولى حقه وظلمه فاستحقاق العقاب في مورد التجري واضح لا غبار فيه ، ويكون استحقاق العقاب فيه بعين الملاك الذي يستحق العاصي فيه للعقاب بلا تفاوت اصلا.
وأما بناء على ما ذكره بعضهم ، ويوجد في كتب الفلسفة أيضا ، من ان استحقاق العقاب ليس من مدركات العقل وانما هو بجعل من الشارع لتتميم محركية