على ما في اجود التقريرات ، وهو ان استحقاق العقاب لا يمكن ان يكون من ناحية القبح الفعلي وذلك من جهة انه في موارد الشك والجهل يكون القبح الفعلي موجودا مع عدم استحقاق العقاب ، فمن شرب الخمر جاهلا بكونه خمرا لا يخرج فعله هذا عن كونه قبيحا لأن مفسدة شرب الخمر موجودة فيه مع أنه غير مستحق للعقاب ، فلا يمكن اناطة استحقاق العقاب بالقبح الفعلي ، فلا بد ان يكون منوطا بالقبح الفاعلي لعدم وجود شيء ثالث يكون استحقاق العقاب منوطا به ، والقبح الفاعلي كما انه موجود في مورد المعصية يوجد في مورد التجري ايضا (١).
ويظهر الجواب عن هذا الوجه ايضا مما ذكرناه في المباحث السابقة من انه ليس هناك قبحان موجودان احدهما فعلي والآخر فاعلي بل ليس لدينا إلا قبح واحد وهو قبح الفعل مضافا الى الفاعل ، فليس الأمر دائرا بين القبح الفعلي والقبح الفاعلي ، بل هناك شيء ثالث وهو قبح الفعل مضافاً الى الفاعل.
ثالثها : ما يوجد في رسائل الشيخ الاعظم (ره) ، وذكر في الكتب المتأخرة عنه ايضا ، وهو على ما في الرسائل وتقريرات الكاظمي لبحث المحقق النائيني (ره) ان يقال : ان العاصي والمتجري إما أ ، يكون كلاهما مستحقين للعقاب أو لا يكون واحدة منهما مستحقا له ، والثاني باطل كما هو واضح ، فيلزم الاول (٢).
والوجه في ذلك : انه لا فرق بين العاصي والمتجري الا في ان قطع العاصي مصيب للواقع وقطع المتجري غير مصيب له ، والاصابة ليست اختيارية للمكلف ليناط استحقاق العقاب بها إذ لا فرق بين العاصي والمتجري في ذلك ، فإما أن يكون كلاهما مستحقين للعقاب أو لا يكون واحد منهما ، فإذا بطل الثاني بالضرورة يتعين الاول.
والجواب عنه : ان عدم شرب الخمر قد يكون من جهة عدم وجود العنب والزبيب في الدنيا ليعصر منه الخمر ، وقد يكون من جهة عدم وجود المال لديه
__________________
(١) ذات المصدر السابق.
(٢) الرسائل ، ص ٥ ، وفوائد الأصول ، ج ٣ ، ص ٣٨.