هناك ان هذا الجواب لا يتم هناك ايضاً.
فالصحيح في الجواب ان يقال : ان الحسن والقبح في باب التجري اجنبيان بالكلية عن باب المصالح والمفاسد في الاحكام ، بل هما امران واقعيان يدركهما العقل العملي كما يدرك العقل النظري استحالة اجتماع النقيضين ، وليستا من المجعولات العقلائية فلا تنافي بينهما.
وعلى هذا فلا نحتاج في الجواب الى ما ذكره صاحب الفصول ، ولا الى ما ذكره المحقق العراقي من الاختلاف في الرتبة ، اذ الحسن والقبح أجنبيان عن باب المصلحة والمفسدة والمحبوبية والمبغوضية ، بل هما امران يدركهما العقل العملي كما يدرك العقل النظري استحالة اجتماع الضدين ، وليستا من المجعولات العقلائية لتكون ممضاة من قبل الشارع ايضا بما انه فرد من العقلاء ليكونا كاشفين عن المصلحة والمفسدة في المتعلق كالاحكام الشرعية.
وعلى هذا فيمكن ان يكون الفعل قبيحا ولكنه محبوب للمولى لا مبغوض له كما في المثال الذي ذكرناه ، وهو ما إذا علم بأن زيد بن أرقم عدو الله ويحرم اكرامه فأكرمه وتبين انه في الواقع عالم عادل يجب اكرامه ، فان اكرامه قبيح من جهة كونه تعديا على المولى وسلبا لحقه ، لما ذكرنا من أنه يكفي في سلب المولى حقه المخالفة فيما اعتقد انه من أوامره ونواهيه ولكنه محبوب للمولى من جهة كونه اكراما للعالم العادل ، إذ لا تنافي اصلا بين قبح التجري وبين الملاك الواقعي للفعل فيما اذا فرض كونه واجبا في الواقع ، كما اذا علم بحرمة صلاة الجمعة ولكنه أتى بها برجاء ان لا تكون حراما في الواقع ، وان لا تنجّز عليه الحرمة لشدة اشتياقه لصلاة الجمعة ، وكانت في الواقع واجبة ، فلا نحتاج الى الجواب عن التنافي بما اجاب به صاحب الفصول أو ما اجاب به المحقق العراقي.
نعم هناك تنافٍ بين دليل الحكم الواقعي وهو وجوب صلاة الجمعة في المثال وبين دليل التنجيز وهو الدليل الدال على حرمتها وان لم يكن تنافياً بين قبح التجري وبين الملاك للوجوب الواقعي ، فالتنافي انما هو بين الدليل المنجز للحرمة وبين