موقف الصحابي المقرئ ابن مسعود ومآل أمره :
أمّا ابن مسعود فهو أبو عبد الرّحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي وامّه امّ عبد ودّ الهذلي. وكان أبوه حليف بني زهرة ، أسلم قديما وجهر بالقرآن في مكة ولم يكن قد جهر به أحد من المسلمين قبله فضربته قريش حتى أدمته ، ولمّا أسلم أخذه رسول الله (ص) إليه وكان يخدمه ، وقال له : «اذنك عليّ أن تسمع سوادي (١) ويرفع الحجاب حتّى أنهاك» ، فكان يلج عليه ويلبسه نعليه ويمشي معه وأمامه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ، وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك.
هاجر الهجرتين جميعا إلى الحبشة وإلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها.
وقالوا فيه : كان أشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله (٢).
سيّره عمر في عهده إلى الكوفة ، وكتب إلى أهل الكوفة : وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي (٣) ، فكان ابن مسعود يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدّين.
وكان ابن مسعود في بادئ أمره من عصبة الخلافة وانتقل بعد ذلك إلى جماعة المعارضين ، ووقع بينه وبين أمير الكوفة الأموي ما ذكرنا تفصيله في كتابنا أحاديث امّ المؤمنين عائشة ، باب (مع الصّهرين) ، وكان يتكلّم بكلام لا يدعه وهو :
(إنّ أصدق القول كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمّد (ص) ، وشرّ الامور محدثاتها ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار).
__________________
(١) ساوده سوادا أي : ساوره مساورة ، ولذلك كان يقال له : صاحب سرّ رسول الله.
(٢) راجع مسند أحمد ٥ / ٣٨٩ ؛ ومناقبه في البخاري والمستدرك ٣ / ٣١٥ و ٣٢٠ ؛ وحلية أبي نعيم ١ / ١٢٦ و ١٢٧ ؛ وكنز العمال ٧ / ٥٥.
(٣) راجع ترجمته في أسد الغابة ، الترجمة ٣١٧٧ ، ٣ / ٢٥٨.