القذرة ولم يكن له أن يرمي ابن الزّبير بخذلانه للخليفة عثمان كما احتج به لما فعل مع من بقي من صحابة الرسول (ص) في المدينة المنوّرة ؛ لأنّ ابن الزبير كان من رؤساء جيش الجمل الّذي قاتل الإمام عليّا باسم الطلب بدم عثمان ، فكيف برّر صنيعه؟ انّه صعد المنبر بمكّة وخطب الناس وقال : ان ابن الزّبير غيّر كتاب الله!
فقال ابن عمر : ما سلّطه الله على ذلك ولا انت معه ، ولو شئت أن اقول : كذبت فعلت (١).
هكذا جابه الصحابي عبد الله ابن الخليفة عمر الحاكم الغشوم سفّاك الدماء مهدّم بيت الله الحرام الحجّاج على الملأ بمكة وقال له : (ما سلّطه الله على ذلك ولا أنت معه) أي : لو اجتمع سلطانك وسلطانه على تغيير كتاب الله ما استطعتم ، لأنّ الله ما سلّطكم على ذلك وأنّه قد حفظ كتابه العزيز من ذلك ، وكان نتيجة تجرّؤ ابن عمر على الحجّاج انّه أمر رجلا معه حربة مسمومة فلصق بابن عمر عند دفع الناس ـ من منى إلى المشعر ـ فوضع الحربة على ظهر قدمه فمرض منها أيّاما ، فأتاه الحجّاج يعوده ، فقال له : من فعل بك؟ قال : وما تصنع؟ قال : قتلني الله إن لم أقتله.
قال : ما أراك فاعلا. أنت أمرت الّذي نخسني بالحربة. فقال : لا تفعل يا أبا عبد الرّحمن (٢).
الحجّاج في المدينة :
سار الحجّاج بعد ان جدّد بناء البيت إلى مدينة الرسول (ص) وأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها ، واستخفّ ببقايا الصحابة ، وختم في أيديهم وأعناقهم يذلهم بذلك كما صنع بالصحابي سهل بن سعد الساعدي عند ما أرسل إليه ، وقال
__________________
(١) البداية والنهاية لابن كثير ٩ / ١٢١.
(٢) أسد الغابة ٣ / ٣٤٤.