وأنتج كل ما ذكرناه تبدّل معنى القراءة في المجتمع الإسلامي من تعلّم اللّفظ والمعنى إلى تعلّم تلاوة النصّ القرآني مجرّدا من حديث الرسول (ص) ، ثمّ اجتهد علماء العربية بمدرسة الخلفاء وبدّلوا النصوص القرآنية بلهجات العرب المختلفة ، وسمّيت بعد ذلك تلك التحريفات بالقراءات ومختلقوها بالقرّاء الكبار وأصبح القارئ من تعلم تلك التحريفات ، والمقرئ من يعلم تلك التحريفات في القرآن عن ظهر قلب بعد ان كان على عهد الرسول (ص) الإقراء بمعنى تعليم النص القرآني ومعناه ؛ والاقتراء بمعنى : تعلم النص القرآني ومعناه ؛ كما مرّ بنا في خبر نظام تعليم القرآن على عهد الرسول (ص) ، واستمرّ المسلمون بعد ذلك يستعملون القراءة والقارئ والإقراء في جزء معنى الكلمة وهو تلاوة النص وحده بعد أن كان يستعمل في تلاوة النص وتعلم المعنى.
وعلى ذلك فإنّ القراءة ومشتقاتها كانت في المصطلح الإسلامي بمعنى تلاوة النص مع تعلم المعنى وتفهمه في مقابل التلاوة الّتي كانت ولا تزال بمعنى تلاوة النص وحده ، ثمّ أصبحت القراءة ومشتقاتها في مصطلح المسلمين بعد عهد الخليفة عثمان إلى اليوم بمعنى تلاوة التحريف الّذي جرى على النص القرآني ، ونسي المسلمون بعد ذلك معنى المصطلح الإسلامي ، ومن ثمّ كلّما وردت القراءة ومشتقاتها في القرآن وحديث الرسول (ص) فسروها بمعناها في مصطلحهم ، وكذلك اصبح المصحف عندهم بمعنى الكتاب الّذي دون فيه القرآن وحده بعد أن كان قبل تحريق المصاحف بمعنى الكتاب الّذي دون فيه القرآن مع شيء من تفسيره كما مرّ تفصيله في بحث روايات اختلاف المصاحف.
خاتمة بحوث تاريخ القرآن على عهد الخلفاء الثلاثة :
أنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ تفصيل شرائع الإسلام في الكتابين التوراة والإنجيل ، فكتم المسيطرون عليهما من اليهود والنصارى بعضا ممّا كان يخالف أهواءهم في الكتابين وحرّفوا بعضا آخر منهما ، فأخبر الله ـ سبحانه وتعالى ـ