خلاصة بحوث المجلّدين حسب تسلسلها الزمني مضافا إلى ما ينبغي تقديمه في هذا المقام :
كان العربي الجاهلي مغرما بالأدب الرفيع نظما ونثرا ويستعمل ذاكرته لحفظ القصيدة الرائعة الطويلة أو الخطبة البليغة إذا سمعها لأوّل مرّة فيحفظها عن ظهر قلب وامتاز بذينك على غيره من أفراد البشر أبد الدهر ، وكانوا يجتمعون في أسواقهم بنواحي مكّة في الأشهر الحرم ، ويتبارى شعراؤهم فيها بإنشاد قصائدهم ، ويحمل الحاضرون ما سمعوه إلى قبائلهم ومن يمرون عليهم من أهل المنازل في طريقهم ، وبذلك تنتشر تلك القصائد والخطب إلى جميع القبائل في شبه الجزيرة العربية ، وقد مرّ بنا خبر الصبي الجرمي عمرو بن سلمة الّذي حفظ قرآنا كثيرا ممّا سمعه من الحجّاج المشركين لدى عودتهم من الحجّ وكانوا يخبرون من يمرون عليهم من أهل المنازل بمبعث النبيّ (ص) ويتلون عليهم ما سمعوه منه في تلاوته القرآن بصلاته في البيت الحرام ، ولم يكونوا قد اجتمعوا بالرسول (ص) ليتعلّموا منه القرآن ويحفظوا ما علّمهم منه ، بل كان حفظهم للقرآن بمجرّد سماعهم تلاوته للقرآن مرّة واحدة.
كان ذلكم شأن العرب في حفظ القرآن قبل أن يؤمنوا بالقرآن ويسلموا على يد رسول الله (ص) ، وكان شأنهم وشأن الرسول (ص) معهم في أمر القرآن بعد إسلامهم ما مرّ بنا أخبارهم. ومرّ بنا من أخبار القرآن أنّ الرسول (ص) كان يوحى إليه لفظ القرآن ومعناه وانّه (ص) كان يعلّم أصحابه في مسجده عشر آيات عشر آيات لا يتعدّون العشرة حتّى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل ، أي : يتعلّموا تفسيرها مع تلاوتها.