وهناك تسع وعشرون سورة تنتمي كلّها تقريبا إلى العصر الّذي سبق الهجرة مباشرة ، وتبتدئ بحروف مفردة لا تزال تحير مفسري القرآن مسلمين وغيرهم. فالعلماء المسلمون بعد أن بحثوا لها عن إيجازات ، وجدوا فيها لغزا لا يعرفه إلّا الله وحده. وعاد بعض المستشرقين إلى فكرة الإيجازات هذه. وأراد آخرون أن يجدوا فيها الحروف الاولى لأسماء المالكين الاول للنسخ الّتي كتبها زيد. أما عناوين السور فقد أعطيت لها في ما بعد ، وكذلك التقسيم إلى آيات فإنّه تقرر بعد ذلك.
ولا يجب الاعتقاد ان كتابة القرآن الّتي تمت بأمر الخليفة عثمان قد ظلت دون تغيير. وهذه التغييرات تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة : الأخطاء الّتي ارتكبها الناسخون ، ودروس النص المقدس القديمة الّتي احتفظ بها القرّاء والمرتلون المحترفون في ذاكرتهم رغم كل شيء ، وعدم كفاية ووضوح الكتابة العربية الّتي تختلط فيها بعض الحروف بسهولة ، والّتي تخلو من أي حرف صوتي موجز (الأمر الّذي يمنع معرفة الفعل مثلا إذا كان للمعلوم أم للمجهول). وزيادة على ذلك فإنّ الأمويين القليلي الاهتمام بهذه القضايا الدينية لم يعملوا على حذف مصادر الاختلاف هذه. وقد أصبحت هذه الاختلافات بالتدريج مصدر قلق ، وانتهوا في القرن العاشر الميلادي ، وبعد شيء من التردد ، إلى أن يضعوا نهائيا أساس النص الرسمي ، مستندا إلى حكم سبعة علماء مشهورين أضيف إلى كل منهم اثنان من القرّاء المجربين. وهذا اختيار تحكمي إلّا انّه أوقف المجادلات. وفي القرن الحادي عشر اعترف بحكمهم هذا تدريجيا. وقد بقي اثنتان قيد الاستعمال من هذه القراءات السبع ، واحدة خاصّة بمصر والاخرى بإفريقيا الشمالية. ومن ناحية اخرى فإنّ الكتابة قد تحسّنت في النصف الثاني من القرن الثامن ، وذلك بإدخال إشارات صوتية كانت في أوّل أمرها نقاطا ثمّ خطوطا تمنع كل خطأ في القراءة.
محتوى وتاريخ القرآن :