فيختم الله على أفواههم ، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(١).
ثم يجتمعون في موطن آخر ، فيفرّ بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر وعظم البلاء ، فذلك قوله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(٢) الآية ، ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه ، فلا يتكلم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حمّلوها إلى أممهم ، فأخبروا أنهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم ، وتسأل الأمم فتجحد ، كما قال الله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(٣) ، فيقولون : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فتشهد الرسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من جحدها من الأمم ، فيقول لكلّ أمة منهم : بلى قد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ، أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم ، ولذلك قال الله تعالى لنبيه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً)(٤) ، فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم على أفواههم ، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ، ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفّارهم بإلحادهم وعنادهم ، ونقضهم عهوده ، وتغييرهم سنته ، واعتدائهم على أهل بيته ، وانقلابهم على أعقابهم ، وارتدادهم على
__________________
(١) فصلت : ٢١.
(٢) عبس : ٣٤ ـ ٣٦.
(٣) الأعراف : ٦.
(٤) النساء : ٤١.