فلمّا جاءت سنيّ الجدب ، كان يخرج السنبل ، فيبيع بما شاء ، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما ـ وروي أثني عشر يوما ـ وكانوا في بادية ، وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما ، وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل (١) ، فأخذ إخوة يوسف ذلك المقل ، وحملوه إلى مصر ، ليمتاروا طعاما ، وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه ، فلما دخل إخوته عليه ، عرفهم ولم يعرفوه ، كما حكى الله عزوجل : (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) فأعطاهم ، وأحسن إليهم في الكيل ، قال لهم : «من أنتم؟» قالوا : نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق ، وجعلها الله عليه بردا وسلاما ، قال : «فما فعل أبوكم» قالوا : شيخ ضعيف ، قال : «فلكم أخ غيركم»؟ قالوا : لنا أخ من أبينا ، لا من أمّنا. قال : «فإذا رجعتم إليّ فائتوني به» وهو قوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ).
ثمّ قال يوسف لقومه : «ردّوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا ، واجعلوها فيما بين رحالهم ، حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها ، رجعوا إلينا وهو قوله : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني : كي يرجعوا : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فقال يعقوب : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) في رحالهم
__________________
(١) المقل : ثمر الدّوم ، الدّوم : شجر عظام من الفصيلة النخليّة ، يكثر في صعيد مصر وبلاد العرب. «الصحاح ـ مقل ـ ج ٥ ، ص ١٨٢٠ ، المعجم الوسيط ـ دوم ـ ج ١ ، ص ٣٠٥».