الثّرثار ـ فعمدوا إلى مخّ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء (١) ، وجعلوا ينجّون به صبيانهم حتّى اجتمع من ذلك جبل عظيم».
قال : «فمرّ بهم رجل صالح ، وإذا امرأة تفعل ذلك بصبيّ لها ، فقال لهم : ويحكم ، اتقوا الله عزوجل ، ولا تغيّروا ما بكم من نعمة. فقالت له : كأنّك تخوّفنا بالجوع ، أما ما دام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع.
قال : فأسف الله عزوجل ، فأضعف لهم الثّرثار ، وحبس عنهم قطر السّماء ونبات الأرض ـ قال ـ فاحتاجوا إلى ذلك الجبل ، وإنه كان يقسّم بينهم بالميزان» (٢).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «كان أبي يكره أن يمسح يده بالمنديل وفيه شيء من الطّعام تعظيما له ، إلّا أن يمصّها أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها له». قال : «وإنّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده فيضحك الخادم».
ثمّ قال : «إنّ أهل قرية ـ ممّن كان قبلكم ـ كان الله قد أوسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقيّ فجعلنا نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة ـ قال ـ فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابّا أصغر من الجراد فلم يدع لهم شيئا خلقه الله يقدر عليه إلّا أكله ، من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه ، وهي القرية التي قال الله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) إلى قوله : (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٣).
__________________
(١) هجا جوعه : سكن وذهب ، وهجا الطعام : أكله «القاموس المحيط ١ ـ هجا ـ ص ٣٤» ، وقد يكون المراد من قوله : فجعلوه خبزا هجاء ، أي : صالحا للأكل أو صالحا لرفع الجوع ، وقد تكون (هجاء) مصحّفة من (هجانا) أي خيارا صالحا ، أو من (منجا) وهي الآلة التي يستنجى بها ، كما ذكر ذلك الطريحي (رحمهالله) في مادة (نجا).
(٢) الكافيّ ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ١.
(٣) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، ح ٧٩.