فلعله يرحمكم ، فيردّ العذاب عنكم. فقالوا : كيف نصنع؟ قال : اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة ، وفرّقوا بين النساء والأولاد ، وبين الإبل وأولادها ، وبين البقر وأولادها ، وبين الغنم وأولادها ، ثم ابكوا ، وادعوا. فذهبوا ، وفعلوا ذلك ، وضجّوا ، وبكوا ، فرحمهمالله ، وصرف عنهم العذاب ، وفرق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم.
فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله تعالى ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس. فقالوا له ، ولم يعرفوه : إن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له ، ونزل العذاب عليهم ، فاجتمعوا وبكوا ، ودعوا ، فرحمهمالله ، وصرف ذلك عنهم ، وفرّق العذاب على الجبال ، فهم إذن يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب يونس ، ومرّ على وجهه مغاضبا ـ كما حكى الله ـ حتى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة قد شحنت ، وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلما توسّطوا البحر ، بعث الله حوتا عظيما ، فحبس عليهم السفينة من قدّامها ، فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخر السفينة ، فدار الحوت إليه وفتح فاه ، فخرج أهل السفينة ، فقالوا : فينا عاص ، فتساهموا ، فخرج سهم يونس ، وهو قول الله عزوجل : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) فأخرجوه ، فألقوه في البحر ، فالتقمه الحوت وهو مليم ، ومرّ به في الماء.
وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليهالسلام عن سجن طاف أقطار البحر بصاحبه ، فقال : يا يهودي ، أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه ، ودخل في بحر القلزم ، ثم خرج إلى بحر مصر ، ثم دخل في بحر طبرستان ، ثم دخل في دجلة العوراء (١) ، ثم مرت به
__________________
(١) في «ي ، ط» : دجلة الغور ، وفي طبعة أخرى : دجلة الغورا ، وهو تصحيف صحيحه ما أثبتناه ، ودجلة العوراء : اسم لدجلة البصرة ، علم لها. «مجمع البلدان : ج ٢ ، ص ٤٤٢».