يحفرونه ، فأمر ، فحملت المساحي والمعاول ، وبدأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأخذ معولا ، فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وأمير المؤمنين عليهالسلام ينقل التراب عن الحفرة ، حتى عرق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعيا ، وقال : «لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار».
فلما نظر الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحفر ، اجتهدوا في الحفر ، ونقلوا التراب ، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر ، وقعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسجد الفتح ، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون ، إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه ، فبعثا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلمه بذلك. قال جابر : فجئت إلى المسجد ، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مستلق على قفاه ، ورداؤه تحت رأسه ، وقد شدّ على بطنه حجرا فقلت : يا رسول الله ، إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه. فقام مسرعا حتى جاءه ، ثم دعا بماء في إناء ، فغسل وجهه وذراعيه ، ومسح على رأسه ورجليه ، ثم شرب ، ومجّ من ذلك الماء في فيه ، ثم صبّه على ذلك الحجر ، ثم أخذ معولا فضرب ضربة ، فبرقت برقة ، فنظرنا فيها إلى قصور الشام ، ثم ضرب أخرى ، فبرقت أخرى ، فنظرنا فيها إلى قصور المدائن ، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى ، فنظرنا فيها إلى قصور اليمن ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله سيفتح عليكم هذه المواطن التي برق فيها البرق». ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.
فقال جابر : فعلمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مقو ـ أي جائع ـ لما رأيت على بطنه الحجر ، فقلت : يا رسول الله ، هل لك في الغذاء؟ قال : «ما عندك ، يا جابر؟» فقلت : عناق (١) ، وصاع من شعير. فقال : «تقدّم ، وأصلح ما عندك» قال جابر : فجئت إلى أهلي ، فأمرتها ، فطحنت الشعير ، وذبحت العنز ،
__________________
(١) العناق : الأنثى من المعز. «لسان العرب ـ عنق ـ ج ١٠ ، ص ٢٧٤».