وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك ، فغمّه غما شديدا. وفزع أصحابه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وكانا من الأوس ، وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس ، فقال لهما : «ائتيا بني قريظة ، فانظرا ما صنعوا ، فإن كانوا نقضوا العهد ، فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إليّ ، وقولا : عضل والقارة».
فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى باب الحصن ، فأشرف عليهما كعب من الحصن ، فشتم سعدا ، وشتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له سعد : إنما أنت ثعلب في جحر ، لتولينّ قريش ، وليحاصرنك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولينزلنك على الصغر والقماءة (١) ، وليضربن عنقك ، ثم رجعا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالا له : عضل والقارة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لعنا ، نحن أمرناهم بذلك» وذلك أنه كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عيون لقريش يتجسسون خبره ، وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب ، دخلتا في الإسلام ، ثم غدرتا ، فكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل ، فيقال : عضل والقارة. ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش ، وأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ففرحت قريش بذلك.
فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام ، فقال : يا رسول الله ، قد آمنت بالله ، وصدقتك ، وكتمت إيماني عن الكفرة ، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي فأنصرك فعلت ، وإن أمرتني أن أخذّل بين اليهود وقريش فعلت ، حتى لا يخرجوا من حصنهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «خذل بين اليهود وقريش ، فإنه أوقع عندي». قال : أفتأذن لي أن أقول فيك ما أريد؟ قال : «قل ما بدا لك».
فجاء إلى أبي سفيان ، فقال له : تعرف مودّتي لكم ، ونصحي ، ومحبّتي
__________________
(١) الصغر : الذل والضيم. «أقرب الموارد ـ صغر ـ ج ١ ، ص ٦٤٩». وقمأ الرجل قماءة : ذل وصغر. «لسان العرب ـ قمأ ـ ج ١ ، ص ١٣٤».