فامتنعوا وقالوا : كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ، ولم نسع بين الصفا والمروة : فاغتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك وشكا [ذلك] إلى أم سلمة ، فقالت : يا رسول الله ، انحر أنت واحلق ، فنحر [رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحلق ، ونحر] القوم على خبث يقين وشك وارتياب. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تعظيما للبدن : رحم الله المحلقين. وقال قوم لم يسوقوا البدن : يا رسول الله والمقصرين؟ لأن من لم يسق [هديا] لم يجب عليه الحلق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثانيا : رحم الله المحلقين ، الذين لم يسوقوا الهدي. فقالوا : يا رسول الله ، والمقصرين؟ فقال : رحم الله المقصرين.
ثم رحل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نحو المدينة ، فرجع إلى التنعيم ، ونزل تحت الشجرة ، فجاء أصحابه الذين أنكروا عليه الصلح ، واعتذروا وأظهروا الندامة على ما كان منهم ، وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يستغفر لهم ، فنزلت آية الرضوان (١).
وقال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسى عليهالسلام ، فقال له المأمون : يابن رسول الله ، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى. وذكر المأمون الآيات التي في الأنبياء ، وقد ذكرنا كلّ آية في موضعها ، إلى أن قال المأمون : فأخبرني ـ يا أبا الحسن ـ عن قول الله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، قال الرضا عليهالسلام : «لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص ، كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(٢) ،
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٩.
(٢) سورة ص : ٥ ـ ٧.