نفسه ، لأنه سبحانه جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة بالأمر به ، والترغيب فيه ، ووعد الثواب عليه. وقيل : لأنه خلق في قلوبهم الرأفة والرحمة ، وإنما مدحهم على ذلك ، وإن كان من فعله ، لأنهم تعرضوا لهما. (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) وهي الخصلة من العبادة ، يظهر فيها معنى الرهبة ، إما في كنيسة ، أو انفراد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه ، والمعنى : ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم. وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء ، واتخاذ الصوامع ، عن قتادة قال : وتقديره ورهبانية ما كتبناها عليهم (إِلَّا) أنهم اتبعوها (ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما رعاها الذين بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وقيل : إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة. ما كتبناها أي : ما فرضناها عليهم. وقال الزجاج : إن تقديره ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ، وابتغاء رضوان الله : اتباع ما أمر به. فهذا وجه ، قال : وفيها وجه آخر ، جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع ، وابتدعوا ذلك. فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا عليه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما ، لم يفرض عليه. لزمه أن يتمه. قال : وقوله (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) على ضربين أحدهما : أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم. والآخر : وهو الأجود أن يكونوا حين بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يؤمنوا به ، كانوا تاركين لطاعة الله ، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها. ودليل ذلك قوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي كافرون. انتهى كلام الزجاج. ويعضد هذا ما جاءت به الرواية ، عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على حمار ، فقال : يا بن أم