ومن المعلوم أن عليا علیهما السلام حاز فيها قصبات السبق وشأى (١) في إحراز غاياتها جميع الخلق وهذا حصل له ببركة دُعَاءِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم حِينَ أَنْفَذَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ ـ فَقَالَ تُرْسِلُنِي وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللهِ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتُ مِنَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ تَبِينَ لَكَ الْقَضَاءُ قَالَ فَمَا زِلْتُ قَاضِياً وَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَقُولُ إِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَا قَالَ عُمَرُ أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ وَكَانَ عَلِيٌّ علیهما السلام قَدْ أَخَذَ نَعْلَ رَسُولِ اللهِ وَهُوَ يَخْصِفُهَا فقضى صلی الله علیه وسلم أن عليا يقوم بالقتال على تأويل القرآن كما قام هو صلی الله علیه وسلم بالقتال على تنزيله والتنزيل مختص برسول الله فإن الله أنزله عليه لأنواع من الحكم أرادها.
قال الله تعالى (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٢) وقال عزوجل (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٣) وقال عز من قائل (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (٤) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذه الحكم التي تنزيله طريق إلى تحصيلها يختص بالنبي صلی الله علیه وسلم ولا يمكن حصولها إلا بتنزيله فمن أنكر التنزيل فقد كذب به وجحده واتصف بالكفر كما قال (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وَما
________________
(١) شأى القوم : سبقهم.
(٢) إبراهيم : ١.
(٣) النحل : ٨٩.
(٤) الشعراء : ١٩٣.
(٥) العنكبوت : ٤٧.