إلى ولاة كل زمان بدمائهم والطعن في عقائدهم ومنعهم حقوقهم بل بغضهم (١) وتطريدهم وتشريدهم حتى لعلك لا تجد مدينة من مدن الإسلام ولا جهة من الجهات إلا وفيها لطالبي دم مطلول (٢) وثأر مطلوب تشارك في قتلهم الأموي والعباسي واستوى في إخافتهم العدناني والقحطاني ورضي بإذلالهم العراقي والشامي لم يبلغ من الكفار ما بلغ منهم ولا حل بأهل الكتاب ما حل بهم هذا حال من قتل فأما من استبقي فليته أصاب القوت أو وجد البلغة وكيف ومن أين يجدها وهو مهان مضطهد فقير مسكين قد عاداه الزمان وأرهقه السلطان وهذا الكلام وإن لم يكن من غرض كتابنا هذا فإن القلم جرى بسطره والحال ساق إلى ذكره.
وأذكر شيئا من تأويلهم الذي استحقوا به العقاب والعذاب وخالفوا فيه السنة والكتاب فإنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فصرفوها عن محل مدلولها وحملوها على المؤمنين فإن أئمة التفسير وعلماء الإسلام أجمعوا على أن قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٣) أنها نزلت في اليهود وهي مختصة بهم وذكروا في سبب نزولها وجوها فقيل لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالُوا هَلُمَّ نُخَاصِمْكَ إِلَى الْأَحْبَارِ فَقَالَ بَلْ إِلَى كِتَابِ اللهِ فَأَبَوْا وَقِيلَ بَلْ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ فَقَالَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالُوا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّاً فَقَالَ هَلُمُّوا بِالتَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَأَبَوْا وَقِيلَ بَلْ لَمَّا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ رَجْمُ الزَّانِي فِي التَّوْرَاةِ قَالَ هَلُمُّوا بِالتَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَأَبَوْا فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِهِ أَسْبَابِ النُّزُولِ.
فقد اتفق الجميع أنها اختصت باليهود فجعلها الخوارج في المسلمين وأقاموها عمدة لهم ومرجعا في اتباع ضلالتهم واحتجوا بها في خروجهم من الطاعة
________________
(١) وفي بعض نسخ «بل بعضها»
(٢) أي مهدور لم يثار به.
(٣) آل عمران : ٢٣.