سبعون رجلا.
فصل : ثم تلا غزاة خيبر مواقف لم تجر مجرى ما تقدمها وأكثرها كانت بعوثا لم يشهدها رسول الله صلی الله علیه وسلم ولا كان الاهتمام بها كغيرها لضعف العدو وغناء المسلمين فأضربنا عن تعدادها وكان لأمير المؤمنين علیهما السلام في جميعها حظ وافر من قول وعمل.
غزوة الفتح
وهي التي توطد أمر الإسلام بها وتمهد الدين بما من الله سبحانه على نبيه فيها وإنجاز وعده في قوله (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخرها وقوله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (١) الآية وكانت الأعين إليها ممتدة والرقاب متطاولة وكتم النبي صلی الله علیه وسلم أمره حين أرادها وأخبر به عليا علیهما السلام وكان شريكه في الرأي وأمينه على السر ثم عرف أبا بكر وجماعة من أصحابه بعد ذلك وجرى الأمر في ذلك على حال ما زال أمير المؤمنين منفردا بالفضل فيها.
فمن ذلك أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَشَهِدَ بَدْراً كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ كِتَاباً يُطْلِعُهُمْ عَلَى سِرِّ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَسِيرِهِ إِلَيْهِمْ فَجَاءَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم بِمَا فَعَلَ وَكَانَ أَعْطَى الْكِتَابَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ مُسْتَمِيحَةً (٢) وَأَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ فَاسْتَدْعَى صلی الله علیه وسلم عَلِيّاً علیهما السلام وَقَالَ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِي قَدْ كَاتَبَ أَهْلَ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِخَبْرِنَا وَقَدْ كُنْتُ سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يُعْمِيَ أَخْبَارَنَا عَلَيْهِمْ وَالْكِتَابُ مَعَ امْرَأَةٍ سَوْدَاءَ وَقَدْ أَخَذَتْ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ فَخُذْ سَيْفَكَ وَالْحَقْهَا وَانْتَزِعِ الْكِتَابَ مِنْهَا وَخَلِّهَا وَعُدْ إِلَيَّ وَأَنْفَذَ الزُّبَيْرَ مَعَهُ فَمَضَيَا وَأَدْرَكَا الِامْرَأَةَ وَسَبَقَ إِلَيْهَا الزُّبَيْرُ وَسَأَلَهَا عَنِ الْكِتَابِ فَأَنْكَرَتْهُ وَحَلَفَتْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ مَا أَرَى مَعَهَا كِتَاباً يَا أَبَا الْحَسَنِ فَارْجِعْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ نُخْبِرُهُ بِبَرَاءَةِ سَاحَتِهَا فَقَالَ أَمِيرُ
________________
(١) الفتح : ٢٧.
(٢) استماحه : سأله ان يشفع له.