فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم كَلَامِي قَالَ مَرْحَباً بِكِ يَا أُمَّ هَانِئٍ وَأَهْلاً قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَشْكُو إِلَيْكَ مَا لَقِيتُ مِنْ عَلِيٍّ الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَدْ أَجَرْتِ مَنْ أَجَرْتِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ إِنَّمَا جِئْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ تَشْكِينَ عَلِيّاً فِي أَنَّهُ أَخَافُ أَعْدَاءَ اللهِ وَأَعْدَاءَ رَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم قَدْ شَكَرَ اللهُ سَعْيَ عَلِيٍّ وَأَجَرْتُ مَنْ أَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ لِمَكَانِهَا مِنْ عَلِيٍّ.
وَلَمَّا دَخَلَ صلی الله علیه وسلم الْمَسْجِدَ وَجَدَ فِيهِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَنَماً بَعْضُهَا مَشْدُودٌ بِبَعْضٍ بِالرُّصَاصِ فَقَالَ أَعْطِنِي يَا عَلِيُّ كَفّاً مِنَ الْحَصَى فَنَاوَلَهُ كَفّاً فَرَمَاهَا بِهِ وَهُوَ يَقُولُ (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا صَنَمٌ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ وَأَخْرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَكَسَرْتُ.
فصل لَمَّا أَنْفَذَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى جُذَيْمَةَ دَاعِياً لَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْفُذْهُ مُحَارِباً فَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَبَذَ عَهْدَهُ فَقَتَلَ الْقَوْمَ وَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْفَرَ ذِمَّتَهُمْ وَعَمِلَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ فَشَانَ فَعَالَهُ الْإِسْلَامُ وَنَفَرَ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم مَنْ كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِيمَانِ وَكَادَ أَنْ يَبْطُلَ بِفِعْلِهِ نِظَامُ التَّدْبِيرِ فِي الدِّينِ فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِي تَلَافِي الْفَارِطِ وَإِصْلَاحِ الْفَاسِدِ وَدَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنِ الدِّينِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْفَذَهُ لَعَطْفِ الْقَوْمِ وَسَلِّ سَخَائِمِهِمْ (١) وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَتَثْبِيتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدِيَ الْقَتْلَى (٢) وَيُرْضِيَ أَوْلِيَاءَهُمْ فَبَلَغَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذَلِكَ مَبْلَغَ الرِّضَا وَزَادَ عَلَى الْوَاجِبِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ عَطِيَّةِ مَا كَانَ فَضَلَ مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَقَالَ قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ دِيَةَ مَا عَرَفْتُمْ وَزِدْتُكُمْ لِتَكُونَ دِيَةَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا نَحْنُ لِيَرْضَى اللهُ عَنْ رَسُولِهِ صلی الله علیه وسلم وَتَرْضَوْنَ بِفَضْلِهِ عَلَيْكُمْ وَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ فتم بأمير المؤمنين علیهما السلام الصلاح وانقطعت به مواد الفساد وشكر النبي فعله وهي معدودة من مناقبه
________________
(١) سل الشيء من الشيء : انتزعه وأخرجه في رفق والسخيمة : الحقد والضغينة.
(٢) أي يعطى دية القتلى إلى أوليائهم.