قلت هذه القصة من فعل خالد وبراءة النبي صلی الله علیه وسلم من فعله وإنفاذ أمير المؤمنين علیهما السلام لاستدراك الحال من الأمور المشهورة أوردها نقلة الأخبار من المخالف والمؤالف.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ إِنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم بَعَثَ خَالِداً حِينَ بَعَثَ إِلَى مَا حَوْلَ مَكَّةَ دَاعِياً وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلاً فَوَطِئَ بَنِي جُذَيْمَةَ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَصَابُوا عَوْفَ بْنَ عَبْدِ عَوْفٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَكَانَا أَقْبَلَا تَاجِرَيْنِ مِنَ الْيَمَنِ فَنَزَلَا بِهِمْ ثُمَّ قَتَلُوهُمَا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَبَعَثَ النَّبِيُّ خَالِداً وَرَأَوْهُ حَمَلُوا السِّلَاحَ فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ ضَعُوا السِّلَاحَ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَيْلَكُمْ إِنَّهُ خَالِدٌ وَاللهِ مَا بَعْدَ وَضْعِ السِّلَاحِ إِلَّا الْإِسَارُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَّا الْقَتْلُ وَلَا أَضَعُ سِلَاحِي فَقَالُوا إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْفِكَ دِمَاءَنَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعَ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النَّاسُ وَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى وَضَعَ سِلَاحَهُ فَأَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ فَكَتَّفُوا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى السَّيْفِ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ فِعْلِ خَالِدٍ وَمِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا عَلِيُّ انْطَلِقْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَانْظُرْ فِي أُمُورِهِمْ وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْكَ فَخَرَجَ حَتَّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَرَدَّ إِلَيْهِمُ الدِّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ مِنَ الْأَمْوَالِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَدِي مِيلَغَةِ الْكَلْبِ (١) حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ إِلَّا أَدَّاهُ بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ هَلْ بَقِيَ لَكُمْ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ قَالُوا لَا قَالَ فَإِنِّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ احْتِيَاطاً لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم مِمَّا لَا نَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ فَفَعَلَ وَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِماً شَاهِراً يَدَيْهِ حَتَّى إِنَّهُ
________________
(١) قال الجزريّ وفي حديث على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بعثه ليدى قوما قتلهم خالد بن الوليد فأعطاهم ميلغة الكلب : هي الاناء الذي يلغ فيه الكلب ، يعنى أعطاهم قيمة كل ما ذهب لهم حتّى قيمة الميلغة.