أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُونَ فَإِنَّهُ كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْ قَلْبِهِ.
فَلَمَّا سَمِعَ علیهما السلام أَرَادَ إِظْهَارَ كَذِبِهِمْ وَفَضِيحَتِهِمْ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ زَعَمُوا أَنَّكَ إِنَّمَا خَلَّفْتَنِي اسْتِثْقَالاً وَمَقْتاً فَقَالَ ارْجِعْ يَا أَخِي إِلَى مَكَانِكَ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ فَأَنْتَ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي وَدَارِ هِجْرَتِي وَقَوْمِي أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي فأظهر من استخلافه وأبان من منزلته منه ما استوجب به كلما كان وجب لهارون علیهما السلام واستثنى النبوة ليتحقق له ما عداها من الأحكام التي كان لهارون في قوله تعالى (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (١) وفي قوله تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأجاب الله مسألته بقوله تعالى (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٢) فوجب لعلي علیهما السلام من النبي صلی الله علیه وسلم كلما وجب لهارون من موسى علیهما السلام إلا النبوة التي استثناها.
وهذه فضيلة ما شاركه فيها أحد من البشر ومنقبة فات بها من بقي ومن غبر وسيرة طرزت عيون التواريخ والسير ومكارم نبه لها علي فاستغنى عن عمر ولو علم الله تعالى أن نبيه صلی الله علیه وسلم يحتاج في هذه الغزاة إلى حرب لم يأذن في تخلفه ولا رضي بلبثه عنها وتوقفه ولكنه وعد بأن الجهة التي يقصدها لا يفتقر في نيلها إلى مصاولة ولا يحتاج في تملكها إلى منازلة فاستخلف عليا على حراسة دار هجرته وحفظ ما يخاف عليه من كيد العدو ومعرته.
وَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم قَدِمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ الزُّبَيْدِيُّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ أَسْلِمْ يَا عَمْرُو يُؤْمِنُكَ اللهَ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فَقَالَ مَا الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فَإِنِّي لَا أَفْزَعُ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّهُ لَيْسَ كَمَا تَظُنُّ إِنَّ النَّاسَ يُصَاحُ بِهِمْ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَبْقَى مَيِّتٌ إِلَّا نُشِرَ وَلَا حَيٌّ إِلَّا مَاتَ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ يُصَاحُ بِهِمْ صَيْحَةٌ أُخْرَى فَيُنْشَرُ مَنْ مَاتَ وَيَصُفُّونَ جَمِيعاً وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ وَتُهَدُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ وَ
________________
(١) الأعراف : ١٤٢.
(٢) طه : ٣٢ ـ ٣٦.