وقد تقدم ذكري لهذه القصة والأبيات آنفا بألفاظ قريبة من هذه أو مثلها.
فهذه مقاماته وحروبه ومشاهده في عهد رسول الله صلی الله علیه وسلم على سبيل الاختصار والإجمال.
فأما حروبه في زمن خلافته علیهما السلام ومواقفه التي تزلزلت لبأسها ثوابت الأقدام ومقاماته التي دفعته إليها الأقدار في مقاتلة بغاة الإسلام وحروبه التي أنذره بها رسول الله فعرفت من قتله إياهم مشكلات الأحكام واشتبه الحق فيها على قوم فقعدوا عن نصرته فندموا في الدنيا على التخلف عن الإمام وإن سلموا في الأخرى من العذاب فلن يسلموا من التعنيف والملام وثبات جأشه الذي هو أثبت من ثبير (١) وسطوة بأسه التي تضطرم في الحروب اضطرام السعير وأفعاله التي تشهد بها وقعة الجمل ويوم النهروان وليلة الهرير فأنا أذكرها على عادتي في الاختصار وسبيلي في الاقتناع بجمل الأخبار.
فمن ذلك وقعة الجمل
والمجتمعون لها لما رفضوا عليا علیهما السلام ونقضوا بيعته ونكثوا عهده وغدروا به وخرجوا عليه وجمعوا الناس لقتاله مستخفين بعقد بيعته التي لزمهم فرض حكمها مسفين إلى إثارة فتنة عامة باءوا بإثمها لم ير إلا مقاتلتهم على مسارعتهم إلى نكث بيعته ومقابلتهم على الخروج عن حكم الله ولزوم طاعته وكان من الداخلين في البيعة أولا والملتزمين لها ثم من المحرضين ثانيا على نكثها ونقضها طلحة والزبير فأخرجا عائشة وجمعا من استجاب لهما وخرجوا إلى البصرة ونصبوا لعلي علیهما السلام حبائل الغوائل وألبوا عليه (٢) مطيعهم من الرامح والنابل مظهرين المطالبة بدم عثمان مع علمهم في الباطن أن عليا علیهما السلام ليس بالآمر ولا القاتل.
ومن العجب أَنَّ عَائِشَةَ حَرَّضَتِ النَّاسَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَتْ اقْتُلُوا نَعْثَلاً قَتَلَ
________________
(١) اسم جبل بمكة.
(٢) ألب على الامر : لزمه فلم يفارقه.