هُوَ قَالَ نَرْفَعُ الْمَصَاحِفَ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَنَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى فَقَالَ أَصَبْتَ وَرَفَعُوهَا وَرَجَعَ الْقُرَّاءُ عَنِ الْقِتَالِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ علیهما السلام إِنَّهَا فَعْلَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَدِيعَةٌ وَفِرَارٌ مِنَ الْحَرَبِ وَلَيْسُوا مِنْ رِجَالِ الْقُرْآنِ فَيَدْعُونَنَا إِلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا وَقَالُوا لَا بُدَّ أَنْ تُنْفِذَ وَتَرُدَّ الْأَشْتَرَ عَنْ مَوْقِفِهِ وَإِلَّا حَارَبْنَاكَ وَقَتَلْنَاكَ أَوْ سَلَّمْنَاكَ إِلَيْهِمْ فَأَنْفَذَ فِي طَلَبِ الْأَشْتَرِ فَأَعَادَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ يَجِبُ أَنْ تُزِيلَنِي فِيهِ عَنْ مَوْقِفِي وَقَدْ أَشْرَفْتُ عَلَى الْفَتْحِ فَعَرَّفَهُ بِالاخْتِلَافِ الَّذِي وَقَعَ فَعَادَ وَلَامَ الْقُرَّاءَ وَعَنَّفَهُمْ وَسَبَّهُمْ وَسَبُّوهُ وَضَرَبَ وَجْهَ دَوَابِّهِمْ وَضَرَبُوا وَجْهَ دَابَّتِهِ وَأَبَوْا إِلَّا الِاسْتِمْرَارَ عَلَى غَيِّهِمْ وَانْهِمَاكاً فِي بَغْيِهِمْ وَوَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.
وَسَأَلَ عَلِيٌّ علیهما السلام مَا الَّذِي أَرَدْتُمْ بِرَفْعِ الْمَصَاحِفِ قَالُوا الدُّعَاءَ إِلَى مَا فِيهَا وَالْحُكْمَ بِمَضْمُونِهَا وَأَنْ نُقِيمَ حَكَماً وَتُقِيمُوا حَكَماً يَنْظُرَانِ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَيُقِرَّانِ الْحَقَّ مَقَرَّهُ فَعَرَّفَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا فِي طَيِّ أَقْوَالِهِمْ مِنَ الْخِدَاعِ وَمَا يَنْضَمُّون عَلَيْهِ مِنْ خُبْثِ الطِّبَاعِ فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُجِيبُوا وَأَلْزَمُوهُ بِذَلِكَ إِلْزَاماً لَا مَحِيصَ عَنْهُ فَأَجَابَ عَلَى مَضَضٍ. (١)
وَنَصَبَ مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَيَّنَ عَلِيٌّ علیهما السلام عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَلَمْ يُوَافِقُوا وَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَقَالَ فَأَبُو الْأَسْوَدِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَاخْتَارُوا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ علیهما السلام إِنَّ أَبَا مُوسَى مُسْتَضْعَفٌ وَهَوَاهُ مَعَ غَيْرِنَا فَقَالُوا لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَالَ إِذَا أَبَيْتُمْ فَاذْكُرُوا كُلَّمَا قُلْتُ وَقُلْتُمْ وَكَانَ مِنْ خَدْعِ عَمْرٍو أَبَا مُوسَى وَحَمْلِهِ عَلَى خَلْعِ ١ عَلِيٍّ علیهما السلام وَإِقْرَارِهَا عَلَى لِسَانِ عَمْرٍو فِي مُعَاوِيَةَ وَتَشَاتُمِهِمَا وَتَلَاعُنِهِمَا مَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ.
وَقَدْ عُمِلَ فِي صِفِّينَ كِتَابٌ مُفْرَدٌ وَلَيْسَ كِتَابُنَا هَذَا بِصَدَدِ ذِكْرِ ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ وَإِنَّمَا غَرَضُنَا وَصْفُ مَوَاقِفِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السلام وَشِدَّةِ بَأْسِهِ وَإِقْدَامِهِ وَتَعْدِيدُ مَنَاقِبِهِ وَذِكْرُ أَيَّامِهِ وَنَذْكُرُ مُلَخَّصاً حَالَ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ عَزْمِهِ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ شَاوَرَ فِيهِ ثِقَاتِهِ وَأَهْلَ وُدِّهِ فَقَالُوا هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ قَرِيعُ زَمَانِهِ فِي الدَّهَاءِ
________________
(١) المضض : وجمع المصيبة.