فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ تَتُوقُ إِلَيْكَ (١) بِالْمَوَدَّةِ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا).
قَوْلُهُ تَعَالَى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢) قِيلَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) فِي عُبَيْدَةَ وَحَمْزَةَ وَأَصْحَابِهِمْ كَانُوا تَعَاهَدُوا لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ فَجَاهَدُوا مُقْبِلِينَ حَتَّى قُتِلُوا (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام مَضَى عَلَى الْجِهَادِ وَلَمْ يُبَدَّلْ وَلَمْ يُغَيَّرْ.
قلت وآية المباهلة قد تقدم ذكرها وكون النبي صلی الله علیه وسلم دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين علیهما السلام أمر مشهور متواتر أورده أصحاب الصحاح في كتبهم وأرباب السير والتواريخ في سيرهم وتواريخهم فاستوى في إيراده المؤالف والمخالف وأحاط علما بحقيته الجاهل والعارف وأنا ذاكر هنا مَا أَوْرَدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) أَيْ يَدْعُو كُلٌّ مِنِّي وَمِنْكُمْ أَبْنَاءَهُ وَنِسَاءَهُ وَنَفْسَهُ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) نَتَبَاهَلُ بِأَنْ نَقُولَ بَهْلَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْبَهْلَةُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ اللَّعْنَةُ وَبَهَلَهُ اللهُ لَعَنَهُ وَأَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ مِنْ قَوْلِكَ أَبْهَلَهُ إِذَا أَهْمَلَهُ وَنَاقَةٌ بَاهِلٌ لَا صِرَارَ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْطٌ يُشَدُّ بِهِ ضَرْعُهَا وَأَصْلُ الِابْتِهَالِ هَذَا ثُمَّ اسْتَعْمَلَ فِي كُلِّ دُعَاءٍ يَجْتَهِدُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْتِعَاناً.
وَرُوِيَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ قَالُوا حَتَّى نَرْجِعَ وَنَنْظُرَ فَلَمَّا تَخَالَوْا قَالُوا لِلْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى فَقَالَ وَاللهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَضْلِ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ وَاللهِ مَا بَاهَلَ قَوْمٌ نَبِيّاً قَطُّ فَعَاشَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَتَهْلِكَنَّ فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ غَدَا مُحْتَضِناً الْحُسَيْنَ آخِذاً بِيَدِ الْحَسَنِ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي خَلْفَهُ وَعَلِيٌّ خَلْفَهَا وَ
________________
(١) تاق إليه توقا : اشتاق.
(٢) الأحزاب : ٢٣.