أَصْبَحْتَ سَيِّدَ أَهْلِكَ قَالَ أَمَا مَا أَبْقَى اللهُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ فَلَا ثُمَّ قَامَ وَعَيْنُهُ تَدْمَعُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلَّهِ دَرُّهُ لَا وَاللهِ مَا هَيَّجْنَاهُ قَطُّ إِلَّا وَجَدْنَاهُ سَيِّداً.
وَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَزَاءِ فَقَالَ يَا ابْنَ الْعَبَّاسِ أَمَا تَدْرِي مَا حَدَثَ فِي أَهْلِكَ قَالَ لَا قَالَ هَلَكَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَعَظَّمَ اللهُ لَكَ الْأَجْرَ قَالَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) رَحِمَ اللهُ أُسَامَةَ وَخَرَجَ وَأَتَاهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى مُحَاقَّتِهِ (١) فَصَلَّى فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَأَحْوَالِ الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يُجِيبُ وَافْتَقَدَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَقِيلَ إِنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَضْرِبُوا مَعَهُ بِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ قَبْلَ اللَّيْلِ لَفَعَلَ فَقَالَ نَحْنُ أَظْلَمُ مِنْهُ حَبَسْنَاهُ عَنْ أَهْلِهِ وَمَنَعْنَاهُ حَاجَتَهُ وَنَعَيْنَا إِلَيْهِ أَحِبَّتَهُ انْطَلِقُوا فَادْعُوهُ فَأَتَاهُ الْحَاجِبُ فَدَعَاهُ فَقَالَ إِنَّا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ لَمْ نَقُمْ حَتَّى نُصَلِّي أُصَلِّي إِنْ شَاءَ اللهُ وَآتِيهِ.
فَرَجَعَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَأَتَاهُ فَقَالَ حَاجَتَكَ فَمَا سَأَلَهُ حَاجَةٌ إِلَّا قَضَاهَا وَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَّا دَخَلْتَ بَيْتَ الْمَالِ فَأَخَذْتَ حَاجَتَكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ أَهْلُ الشَّامِ مِيلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى الدُّنْيَا فَعَرَفَ مَا يُرِيدُهُ فَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ فَإِنْ أَذِنْتَ أَنْ أُعْطِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَعَلْتَ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا دَخَلْتَ فَأَخَذْتَ حَاجَتَكَ فَدَخَلَ فَأَخَذَ بُرْنُسَ خَزٍّ أَحْمَرَ (٢) يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَقِيَتْ لِي حَاجَةٌ فَقَالَ مَا هِيَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ عَرَفْتَ فَضْلَهُ وَسَابِقَتَهُ وَقَرَابَتَهُ وَقَدْ كَفَاكَهُ الْمَوْتُ أُحِبُّ أَنْ لَا يُشْتَمَ عَلَى مَنَابِرِكُمْ قَالَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَذَا أَمْرُ دِينٍ أَلَيْسَ أَلَيْسَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَعَدَّدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْلَى لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ وَ (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وَتَوَجَّهْ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قلت أولى لك قال الجوهري تهدد ووعيد وقال الأصمعي أي قاربه ما
________________
(١) حاق محاقة في الامر : خاصمه ورافعه وادعى انه أولى بالحق.
(٢) البرنس : كل ثوب يكون غطاء الرأس جزءا منه متصلا به.