قَالَ لَقَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ لَمْ يَسْبِقْهُ الْأَوَّلُونَ بِعَمَلٍ وَلَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ بِعَمَلٍ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاهِدُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَيَقِيهِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم يُوَجِّهُهُ بِرَايَتِهِ فَيَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَدْ تُوُفِّيَ علیهما السلام فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ علیهما السلام وَفِيهَا قُبِضَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَمَا خَلَّفَ صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ.
ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَبَكَى وَبَكَى النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ أَنَا ابْنُ الدَّاعِي إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ افْتَرَضَ اللهُ مَوَدَّتَهُمْ (١) فِي كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) (٢) فَالْحَسَنَةُ مَوَدَّتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ هَذَا ابْنُ نَبِيِّكُمْ وَوَصِيُّ إِمَامِكُمْ فَبَايِعُوهُ فَاسْتَجَابَ لَهُ النَّاسُ وَقَالُوا مَا أَحَبَّهُ إِلَيْنَا وَأَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَيْنَا وَتَبَادَرُوا إِلَى الْبَيْعَةِ لَهُ بِالْخِلَافَةِ.
وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَرَتَّبَ الْعُمَّالَ وَأَمَرَ الْأُمَرَاءَ وَأَنْفَذَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْعَبَّاسِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَنَظَرَ فِي الْأُمُورِ وَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ مَوْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ علیهما السلام وَبِيعَةُ الْحَسَنِ علیهما السلام أَنْفَذَ رَجُلاً مِنْ حِمْيَرَ إِلَى الْكُوفَةِ وَآخَرَ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيُطَالِعَاهُ بِالْأَخْبَارِ وَيُفْسِدَا عَلَى الْحَسَنِ علیهما السلام الْأُمُورَ وَقُلُوبَ النَّاسِ فَعَرَفَ بِهِمَا وَحَصَّلَهُمَا وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا. وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ دَسَسْتَ الرِّجَالَ لِلِاحْتِيَالِ وَالِاغْتِيَالِ وَأَرْصَدْتَ الْعُيُونَ كَأَنَّكَ تُحِبُّ اللِّقَاءَ وَمَا أَوْشَكَ ذَلِكَ فَتَوَقَّعْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ
________________
(١) وفي بعض النسخ «طاعتهم» بدل : «مودتهم».
(٢) الشورى : ٢٣.