وَبَلَغَنِي أَنَّكَ شَمِتَّ بِمَا لَمْ يَشْمَتْ بِهِ ذَوُو الْحِجَى (١) وَإِنَّمَا مَثَلُكَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلَافَ الَّذِي مَضَى |
|
تَجَهَّزْ لِأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأَنَّ قَدْ (٢) |
فَإِنَّا وَمَنْ قَدْ مَاتَ مِنَّا لَكَالَّذِي |
|
يَرُوحُ فَيُمْسِي فِي الْمَبِيتِ لِيَغْتَدِي |
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَسَنِ علیهما السلام مُكَاتَبَاتٌ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْحَسَنُ علیهما السلام فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأَمْرَ وَتَوَثُّبِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ علیهما السلام (٣) وَابْتِزَازِهِ سُلْطَانَ ابْنِ عَمِّهِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَصَارَ مُعَاوِيَةُ نَحْوَ الْعِرَاقِ وَتَحَرَّكَ الْحَسَنُ علیهما السلام (٤) وَبَعَثَ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَاسْتَنْفَرَ النَّاسُ لِلْجِهَادِ فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ خَفُّوا وَمَعَهُ أَخْلَاطٌ مِنَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ مِنْ شِيعَتِهِ وَشِيعَةِ أَبِيهِ علیهما السلام وَبَعْضُهُمْ مُحْكَمَةٌ يُؤْثِرُونَ قِتَالَ مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ طَمَعٍ فِي الْغَنَائِمِ وَبَعْضُهُمْ شُكَّاكٌ وَبَعْضُهُمْ أَصْحَابُ عَصَبِيَّةٍ اتَّبَعُوا رُؤَسَاءَ قَبَائِلِهِمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى دِينٍ ثُمَّ صَارَ حَتَّى نَزَلَ سَابَاطَ دُونَ الْقَنْطَرَةِ وَبَاتَ هُنَاكَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرَادَ علیهما السلام أَنْ يَمْتَحِنَ أَصْحَابَهُ وَيَسْتَبْرِئَ أَحْوَالَهُمْ فِي طَاعَتِهِ لِيَمِيزَ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ لِقَاءِ مُعَاوِيَةَ فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى فِي النَّاسِ بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا حَمِدَهُ حَامِدٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ كُلَّمَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَائْتَمَنَهُ عَلَى الْوَحْيِ صلی الله علیه وسلم أَمَّا بَعْدَ فَوَ اللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ قَدْ أَصْبَحْتُ بِحَمْدِ اللهِ وَمَنِّهِ وَأَنَا أَنْصَحُ خَلْقَ اللهِ لِخَلْقِهِ وَمَا
________________
(١) شمت : فرح ببلية. والمعنى فرحت بموت على الذي أصبح كل ذي لب مغموما بموته.
(٢) أي فكأن قد نزلت أو جاءت وحذف مدخول قد وذلك شايع.
(٣) توثب عليه. استولى ظلما.
(٤) ابتز منه الشيء : استلبه قهرا.
(٥) وهم الخوارج اي لم يهموا على نصر الحسن وانما كان همهم قتال معاوية.