أَصْبَحْتُ مُحْتَمِلاً عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ ضَغِينَةً وَلَا مُرِيداً لَهُ بِسُوءٍ وَلَا غَائِلَةً (١) وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَلَا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ وَأَرْشَدَنِي وَإِيَّاكُمْ لِمَا فِيهِ الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا.
قَالَ فَنَظَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا مَا تَرَوْنَهُ يُرِيدُ بِمَا قَالَ قَالُوا نَظُنُّ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصَالِحَ مُعَاوِيَةَ وَيُسَلِّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَقَالُوا كَفَرَ وَاللهِ الرَّجُلُ وَشَدُّوا عَلَى فُسْطَاطِهِ فَانْتَهَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوا مُصَلَّاهُ مِنْ تَحْتِهِ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُعَالٍ الْأَزْدِيُّ فَنَزَعَ مِطْرَفَهُ (٢) عَنْ عَاتِقِهِ فَبَقِيَ جَالِساً مُتَقَلِّداً السَّيْفَ بِغَيْرِ رِدَاهُ ثُمَّ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَأَحْدَقَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ خَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ وَمَنَعُوا مِنْهُ مَنْ أَرَادَهُ وَدَعَا رَبِيعَةَ وَهَمْدَانَ فَأَطَافُوا بِهِ وَمَنَعُوهُ فَسَارَ وَمَعَهُ شَوْبٌ مِنْ غَيْرِهِمْ.
فَلَمَّا مَرَّ فِي مُظْلَمِ سَابَاطَ بَدَرَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ اسْمُهُ الْجَرَّاحُ بْنُ سِنَانٍ وَأَخَذَ بِلِجَامِ فَرَسِهِ وَبِيَدِهِ مِغْوَلٌ (٣) وَقَالَ اللهُ أَكْبَرُ أَشْرَكْتَ يَا حَسَنُ كَمَا أَشْرَكَ أَبُوكَ مِنْ قَبْلُ وَطَعَنَهُ فِي فَخِذِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى بَلَغَ الْعَظْمَ فَاعْتَنَقَهُ الْحَسَنُ علیهما السلام وَخَرَّا جَمِيعاً إِلَى الْأَرْضِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ الْحَسَنِ علیهما السلام فَقَتَلَهُ بِمِغْوَلِهِ وَقُتِلَ مَعَهُ شَخْصٌ آخَرُ كَانَ مَعَهُ وَحُمِلَ الْحَسَنُ علیهما السلام عَلَى سَرِيرٍ إِلَى الْمَدَائِنِ فَأُنْزِلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ عَامِلَ عَلِيٍّ علیهما السلام بِهَا فَأَقَرَّهُ الْحَسَنُ علیهما السلام عَلَى ذَلِكَ وَاشْتَغَلَ بِمُعَالَجَةِ جُرْحِهِ.
وَكَتَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالطَّاعَةِ سِرّاً وَاسْتَحَثُّوهُ عَلَى سُرْعَةِ الْمَسِيرِ نَحْوَهُمْ وَضَمِنُوا لَهُمْ تَسْلِيمَ الْحَسَنِ علیهما السلام إِلَيْهِ عِنْدَ دُنُوِّهِمْ مِنْ عَسْكَرِهِ أَوِ الْفَتْكِ بِهِ وَبَلَغَ الْحَسَنَ علیهما السلام ذَلِكَ.
________________
(١) الضغينة : الحقد. الغائلة : الحقد الباطن. الشر.
(٢) المطرف ـ بضم الميم وفتحها ـ : رداء من خزذ اعلام.
(٣) المغول : سوط في جوفه سيف دقيق سمي بذلك لان صاحبه يغتال به عدوه من حيث لا يحتسبه.