لبيب أو يهدأ طرف (١) متوسم على سوء أحكام الدنيا وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات وسكون الحركات وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي تفجع الآباء بالأبناء وتلهى الأبناء عن الآباء تعدمهم أشجان قلوبهم (٢) وتسلبهم قرة عيونهم
وترمي قساوات القلوب بأسهم |
|
وجمر فراق لا يبوخ حريقها (٣) |
وما عسيت أن أصف من محن الدنيا وأبلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها إلا قليلا أفتنة أو مغيب ضريح تجافت عنه فاعتبر أيها السامع بهلكات الأمم وزوال النعم وفظاعة ما تسمع وترى من سوء آثارها في الديار الخالية والرسوم الفانية والربوع الصموت (٤)
وكم عالم أفنت فلم تبك شجوه |
|
ولا بد أن تفنى سريعا لحوقها (٥) |
فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ (٦) وتأمل معاقل الملوك ومصانع الجبارين وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء وجاهرتهم بالمنكرات وسحبت عليهم أذيال البوار وطحنتهم طحن الرحى للحب واستودعتهم هوج الرياح (٧) تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الأرض
فتلك مغانيهم وهذي قبورهم |
|
توارثها أعصارها وحريقها |
أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من الأمم السالفة توقف وتفهم وانظر أي عز ملك أو نعيم أنس أو بشاشة ألف إلا نغصت أهله قرة أعينهم وفرقتهم
__________________
(١) رقأ الدمع : سكن وجف. وهدأ : سكن.
(٢) الأشجان جمع الشجن : الشعبة من كل شيء.
(٣) باخ النار : خمدت.
(٤) الربوع جمع الربع : الرجل. النعش. المنزل.
(٥) الشجو : الشوط من البكاء اي الغاية يقال : بكى فلان شجوه.
(٦) البدخ : الكبر.
(٧) الهوجاء. الريح التي لا تستوى في هبوبها وتقلع البيوت.