وسروركم ، وتفكهكم فتقولون :
[٦٦] (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) (٦٦) ، أي : إنا قد نقصنا وأصابتنا مصيبة اجتاحتنا.
[٦٧] ثمّ تعرفون بعد ذلك ، من أين أتيتم ، وبأي سبب دهيتم ، فتقولون : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٧). فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه لكم ، ثمّ أبقاه وكمله لكم ، ولم يرسل عليه من الآفات ما به تحرمون نفعه وخيره.
[٦٨ ـ ٧٠] لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام ، ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون ، وأنه لو لا أن الله يسره وسهله ، لما كان لكم إليه سبيل ، وأنه الذي أنزله من المزن ، وهو السحاب والمطر ، الذي ينزله الله تعالى ، فتكون منه الأنهار الجارية على وجه الأرض ، وفي بطنها ، وتكون منه الغدران المتدفقة. ومن نعمته تعالى أن جعله عذبا فراتا ، تسيغه النفوس ، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا ، لا ينتفع به. (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) الله تعالى على ما أنعم به عليكم.
[٧١ ـ ٧٢] وهذه نعمة تدخل في الضروريات ، الّتي لا غنى للخلق عنها ، فإن الناس محتاجون إليها في كثير من أمورهم وحوائجهم ، فقررهم تعالى بالنار الّتي أوجدها في الأشجار ، وأن الخلق لا يقدرون أن ينشئوا شجرها ، وإنما الله تعالى قد أنشأها من الشجر الأخضر ، فإذا هي نار توقد ، بقدر حاجة العباد ، فإذا فرغوا من حاجتهم ، أطفأوها وأخمدوها.
[٧٣] (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) للعباد بنعمة ربهم ، وتذكرة بنار جهنم ، الّتي أعدها الله للعاصين ، وجعلها سوطا ، يسوق به عباده إلى دار النعيم. (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) ، أي : المنتفعين أو المسافرين ، وخص الله المسافرين لأن نفع المسافر أعظم من غيره ، ولعل السبب في ذلك ؛ لأن الدنيا كلها دار سفر ، والعبد من حين ولد ، فهو مسافر إلى ربه ، فهذه النار ، جعلها الله متاعا للمسافرين في هذه الدار ، وتذكرة لهم بدار القرار.
[٧٤] فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده ، وشكره ، وعبادته ، أمر بتسبيحه وتعظيمه ، فقال : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) ، أي : نزه ربك العظيم ، كامل الأسماء والصفات ، كثير الإحسان والخيرات. واحمده بقلبك ، ولسانك ، وجوارحك ، لأنه أهل لذلك ، وهو المستحق لأن يشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى ، ويطاع فلا يعصى.
[٧٥] أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها ، أي : مساقطها في مغاربها ، وما يحدث الله في تلك الأوقات ، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده.
[٧٦ ـ ٧٧] ثمّ عظم هذا المقسم به ، فقال : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٧٦). وإنما كان القسم عظيما ، لأن في النجوم وجريانها ، وسقوطها عند مغاربها ، آيات وعبرا ، لا يمكن حصرها. وأما المقسم عليه ، فهو إثبات القرآن ، وأنه حق لا ريب فيه ، ولا شك يعتريه. وأنه كريم ، أي : كثير الخير ، غزير العلم ، وكلّ خير وعلم ، فإنما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه.
[٧٨] (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (٧٨) ، أي : مستور عن أعين الخلق ، وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ ، أي : إن هذا القرآن ، مكتوب في اللوح المحفوظ ، ومعظم عند الله ، وعند ملائكته في الملأ الأعلى. ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الّذين ينزلهم الله لوحيه ورسالته ، وأن المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين ، لا قدرة لهم على تغييره ، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه.
[٧٩] (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٧٩) ، أي : لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام ،