تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢). وقد فسر قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) أن هذه البشارة المذكورة ، هي البشرى في الحياة الدنيا.
[٩٠] وقوله : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (٩٠) ، وهم الّذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات ، وإن حصل منهم بعض التقصير في بعض الحقوق ، الّتي لا تخل بإيمانهم وتوحيدهم ، فيقال لأحدهم : سلام (لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (٩١) ، أي : سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين ، أي : يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله إليهم ، ولقائهم له ، أو يقال له : سلام لك من الآفات والبليات والعذاب ، لأنك من أصحاب اليمين ، الّذين سلموا من الموبقات.
[٩٢] (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) (٩٢) ، أي : الّذين كذبوا بالحق ، وضلوا عن الهدى.
[٩٣ ـ ٩٤] (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٩٤) ، أي : ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم ، الّتي تحيط بهم ، وتصل إلى أفئدتهم. وإذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).
[٩٥] (إِنَّ هذا) الذي ذكره الله تعالى ، من جزاء العباد بأعمالهم ، خيرها وشرها ، وتفاصيل ذلك (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) ، أي : الذي لا شك فيه ولا مرية. بل هو الحقّ الثابت ، الذي لا بد من وقوعه. وقد أشهد الله عباده ، الأدلة القواطع على ذلك ، حتى صار عند أولي الألباب كأنهم ذائقون له ، مشاهدون لحقيقته ، فحمدوا الله تعالى على ما خصهم من هذه النعمة العظيمة ، والمنحة الجسيمة. ولهذا قال تعالى :
[٩٦] (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٩٦) فسبحان ربنا العظيم ، وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. والحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. تم تفسير سورة الواقعة.
تفسير سورة الحديد
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يخبر تعالى عن عظمته وجلاله ، وسعة سلطانه أن جميع ما في السماوات والأرض ، من الحيوانات الناطقة وغيرها ، والجوامد ، تسبّح بحمد ربها ، وتنزهه عما لا يليق بجلاله. وأنها قانتة لربها ، منقادة لعزته ، قد ظهرت فيها آثار حكمته ، ولهذا قال : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها ، في جميع أحوالها ، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها ، وعموم حكمته في خلقه وأمره.
[٢] ثمّ أخبر عن عموم ملكه ، فقال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ). أي : هو الخالق للمخلوقات ، الرازق المدبر لها ، بقدرته (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
[٣] (هُوَ الْأَوَّلُ) الذي ليس قبله شيء ، (وَالْآخِرُ) الذي ليس بعده شيء. (وَالظَّاهِرُ) الذي ليس فوقه شيء ، (وَالْباطِنُ) الذي ليس دونه شيء. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قد أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والسرائر والخفايا ، والأمور المتقدمة والمتأخرة.
[٤] (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) استواء يليق بجلاله ، فوق جميع خلقه. (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من حب وحيوان ، ومطر ، وغير ذلك. (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبت وشجر ، وحيوان ، وغير ذلك. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الملائكة والأقدار والأرزاق. (وَما يَعْرُجُ فِيها) من الملائكة والأرواح ، والأدعية والأعمال ، وغير ذلك. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ، كقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا). وهذه المعية ، معية العلم والاطلاع ، ولهذا توعد ووعد بالمجازاة بالأعمال بقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي : هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال ، وما صدرت عنه تلك الأعمال ، من بر وفجور ،