مستقيم على أمر الله ، ولهذا قال : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، أي : الّذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، مع إيمانهم بعيسى ، كلّ أعطاه الله على حسب إيمانه (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، أي : مكذبون بمحمد ، وخارجون عن الطاعة والطريق المستقيم.
[٢٨] وهذا الخطاب ، يحتمل أنه خطاب لأهل الكتاب الّذين آمنوا بموسى وعيسى عليهماالسلام ، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم ، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه ، ويؤمنوا برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، أي : نصيبين من الأجر. نصيب على إيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم. ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم وهذا هو الظاهر ، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ، ظاهره وباطنه ، وأصوله وفروعه ، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم ، أعطاهم (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) لا يعلم قدرهما ولا وصفهما إلا الله تعالى. أجر على الإيمان ، وأجر على التقوى ، وأجر على امتثال الأوامر ، وأجر على اجتناب النواهي ، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى. (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، أي : يعطيكم علما وهدى ، ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ، ويغفر لكم السيئات. (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فلا يستغرب كثرة هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم ، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض ، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ، ولا أقل من ذلك.
[٢٩] وقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، أي : بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما ، واتقى الله ، وآمن برسوله ، لأجل أن يكون عند أهل الكتاب علم ، بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، أي : لا يحجرون على الله ، بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة ، فيقولون : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ، ويتمنون على الله الأماني الفاسدة. فأخبر الله تعالى المؤمنين برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، المتقين لله أن لهم كفلين من رحمته ، ونورا ، ومغفرة ، رغما عن أنوف أهل الكتاب. وليعلموا (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الذي لا يقادر قدره. تم تفسير سورة الحديد ـ ولله الحمد والمنة.
تفسير سورة المجادلة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار ، اشتكته زوجته إلى الله ، وجادلته إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما