القرية ، وهم بنو النضير. (ف) إنكم يا معشر المسلمين ما (أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ، أي : ما أجلبتم ولا حشدتم ، أي : لم تتعبوا بتحصيلها ، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم ، بل قذف الله في قلوبهم الرعب ، فأتتكم صفوا عفوا. ولهذا قال : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ومن تمام قدرته ، أنه لا يمتنع عليه ممتنع ، ولا يعزز من دونه قويّ. وتعريف الفيء باصطلاح الفقهاء : هو ما أخذ من مال الكفار بحق ، من غير قتال ، كهذا المال الذي فرّوا وتركوه خوفا من المسلمين ، وسمي فيئا ، لأنه رجع من الكفار ، الّذين هم غير مستحقين له ، إلى المسلمين الّذين لهم الحقّ الأوفر فيه.
[٧] وحكمه العام ، كما ذكره الله بقوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) عموما ، سواء كان في وقت الرسول أو بعده ، على من تولى «الإمارة» من بعده من أمته. (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وهذه الآية نظير الآية الّتي في سورة الأنفال ، وهي قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). فهذا الفيء يضم خمسة أقسام : لله ، ولرسوله ، يصرف في مصالح المسلمين العامة. وخمس لذي القربى ، وهم : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، حيث كانوا ، يسوّى فيه بين ذكورهم وإناثهم. وإنّما دخل بنو المطلب في خمس الخمس مع بني هاشم ، ولم يدخل بقية بني عبد مناف ، لأنهم شاركوا بني هاشم ، في دخولهم الشعب ، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم ، فنصروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخلاف غيرهم ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم في بني عبد المطلب : «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام». وخمس لفقراء اليتامى ، وهم : من لا أب له ولم يبلغ. وخمس للمساكين. وخمس لأبناء السبيل ، وهم الغرباء المنقطع بهم في غير أوطانهم. وإنّما قدر الله هذا التقدير ، وحصر الفيء ، في هؤلاء المعينين (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) ، أي : مداولة واختصاصا (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) ، فإنه لو لم يقدره ، لتداولته الأغنياء الأقوياء ، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء ، وفي ذلك من الفساد ، ما لا يعلمه إلا الله. كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر ، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية ، والأصل العام ، فقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، وهذا شامل لأصول الدين وفروعه ، وظاهره وباطنه ، وأن ما جاء به الرسول ، يتعين على العباد الأخذ به واتباعه ، ولا تحل مخالفته ، وأن نص الرسول على حكم الشيء ، كنص الله تعالى ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه ، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله. ثمّ أمر بتقواه ، الّتي بها عمارة القلوب والأرواح ، والدنيا والآخرة ، وبها السعادة الدائمة ، والفوز العظيم ، وبإضاعتها الشقاء الأبدي ، والعذاب السرمدي ، فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) على من ترك التقوى ، وآثر اتباع الهوى.
[٨] ثمّ ذكر تعالى ، الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى أموال الفيء ، لمن قدرها له ، وأنهم حقيقون بالإعانة ، مستحقون لأن تجعل لهم ، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات ، من الديار والأوطان ، والأحباب والخلان ، والأموال ، رغبة في الله ، ومحبة لرسول الله. فهؤلاء هم الصادقون الّذين عملوا بمقتضى