الدنيا.
[١٥] وعدم نصر من وعدهم بالمعاونة (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) وهم كفار قريش الّذين زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ). فغرتهم أنفسهم ، وغرهم من غرهم ، الّذين لم ينفعوهم ، ولم يدفعوا عنهم العذاب ، حتى أتوا «بدرا» بفخرهم وخيلائهم ، ظانين أنهم مدركون برسول الله والمؤمنين أمانيهم. فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم ، فقتلوا كبارهم وصناديدهم ، وأسروا من أسروا منهم ، وفرّ من فر. وبذلك (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) وعاقبة شركهم وبغيهم. هذا في الدنيا (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ).
[١٦] ومثل هؤلاء المنافقين الّذين غروا إخوانهم من أهل الكتاب (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) ، أي : زين له الكفر وحسنه ودعاه إليه. فلما اغتر به وكفر ، وحصل له الشقاء ، لم ينفعه الشيطان ، الذي تولاه ودعاه إلى ما دعاه إليه ، بل تبرأ منه (قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ، أي : ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك ، ولست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير.
[١٧] (فَكانَ عاقِبَتَهُما) ، أي : الداعي الذي هو الشيطان ، والمدعو الذي هو الإنسان حين أطاعه (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) كما قال تعالى : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) الّذين اشتركوا في الظلم والكفر ، وإن اختلفوا في شدة العذاب وقوته. وهذا دأب الشيطان مع كلّ أوليائه ، فإنه يدعوهم ويدليهم بغرور ، إلى ما يضرهم ، حتى إذا وقعوا في الشباك ، وحاق بهم أسباب الهلاك ، تبرأ منهم ، وتخلى عنهم. واللوم كلّ اللوم على من أطاعه ، فإن الله قد حذر منه ، وأنذر ، وأخبر بمقاصده وغايته ، ونهايته ، فالمقدم على طاعته عاص على بصيرة ، لا عذر له.
[١٨] يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ، ويقتضيه من لزوم تقواه ، سرا وعلانية ، في جميع الأحوال ، وأن يراعوا ما أمرهم الله به ، من أوامره وحدوده ، وينظروا ما لهم وما عليهم ، وماذا حصلوا عليه من الأعمال الّتي تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة. فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم ، وقبلة قلوبهم ، واهتموا للمقام بها ، اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها ، وتصفيتها من القواطع والعوائق ، الّتي توقفهم عن السير ، أو تعوقهم أو تصرفهم. وإذا علموا أيضا أن الله خبير بما يعملون ، لا تخفى عليه أعمالهم ، ولا تضيع لديه ، ولا يهملها ، أوجب لهم الجد والاجتهاد. وهذه الآية الكريمة ، أصل في محاسبة العبد نفسه ، وأنه ينبغي له أن يتفقدها ، فإن رأى زللا ، تداركه بالإقلاع عنه ، والتوبة النصوح ، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه ، وإن رأى نفسه مقصرا ، في أمر من أوامر الله ، بذل جهده ، واستعان بربه في تتميمه ، وتكميله ، وإتقانه. ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه ، وبين تقصيره ، فإن ذلك يوجب له الحياء لا محالة. والحرمان كلّ الحرمان ، أن يغفل العبد عن هذا الأمر ، ويشابه قوما نسوا الله ، وغفلوا عن ذكره ، والقيام بحقه ، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها ، فلم ينجحوا ، ولم يحصلوا على طائل. بل أنساهم الله مصالح أنفسهم ، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها ، فصار أمرهم فرطا ، فرجعوا بخسارة