هو ، ومع ذلك ، فكلها حسنى ، أي : صفات كمال ، بل تدل على أكمل الصفات وأعظمها ، لا نقص في شيء منها ، بوجه من الوجوه. ومن حسنها أن الله يحبها ، ويحب من يحبها ، ويحب من عباده أن يدعوه ويسألوه بها. ومن كماله ، أن له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، وأن جميع من في السماوات والأرض ، مفتقرون إليه على الدوام ، يسبحون بحمده ، ويسألونه حوائجهم ، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته. (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي لا يريد شيئا إلّا ويكون ، ولا يكون شيئا إلّا لحكمة ومصلحة. تم تفسير سورة الحشر ـ والحمد لله وحده.
تفسير سورة الممتحنة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] ذكر كثير من المفسرين ، رحمهمالله ، أن سبب نزول هذه الآيات الكريمات في قصة حاطب بن أبي بلتعة ، حين غزا النبي صلىاللهعليهوسلم غزاة الفتح. فكتب حاطب إلى المشركين من أهل مكة ، يخبرهم بمسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ، ليتخذ بذلك يدا عندهم ، لا شكا ونفاقا ، وأرسله مع امرأة. فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بشأنه ، فأرسل إلى المرأة قبل وصولها وأخذ منها الكتاب. وعاتب حاطبا ، فاعتذر بعذر ، قبله النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذه الآيات فيها النهي الشديد عن موالاة الكفار من المشركين وغيرهم ، وإلقاء المودة إليهم ، وأن ذلك مناف للإيمان ، ومخالف لملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسّلام ، ومناقض للعقل الذي يوجب الحذر كلّ الحذر من العدو ، والذي لا يبقى من مجهوده في العداوة شيئا ، وينتهز الفرصة في إيصال الضرر إلى عدوه ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي : اعملوا بمقتضى إيمانكم ، من ولاية من قام بالإيمان ، ومعاداة من عاداه ، فإنه عدو لله ، وعدو للمؤمنين. (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) عدو الله (وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، أي : تسارعون في مودتهم ، والسعي في أسبابها ، فإن المودة إذا حصلت ، تبعتها النصرة والموالاة ، فخرج العبد من الإيمان ، وصار من جملة أهل الكفران. وهذا المتخذ للكافر وليا ، عادم المروءة أيضا ، فإنه كيف يوالي أعدى أعدائه ، الذي لا يريد له إلّا الشر ، ويخالف ربه ووليه ، الذي يريد به الخير ، ويأمره به ، ويحثه عليه؟ ومما يدعو المؤمن أيضا إلى معاداة الكفار ، أنهم قد كفروا بما جاء المؤمنين من الحقّ ، ولا أعظم من هذه المخالفة والمشاقة ، فإنهم قد كفروا بأصل دينكم ، وزعموا أنّكم ضلّال ، على غير هدى. والحال أنهم كفروا بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية ، ومن رد الحقّ ، فمحال أن يوجد له دليل أو حجة ، تدل على صحة قوله ، بل مجرد العلم بالحق ، يدل على بطلان قول من رده وفساده. ومن عداوتهم البليغة أنهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) أيها المؤمنون من دياركم ، ويشردونكم من أوطانكم. ولا ذنب لكم في ذلك عندهم ، إلّا (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) الذي يتعين على الخلق كلهم ، القيام بعبوديته ، لأنه رباهم ، وأنعم عليهم ، بالنعم الظاهرة والباطنة. فلما أعرضوا عن هذا الأمر ، الذي هو أوجب الواجبات ، وقمتم به ، عادوكم ، وأخرجوكم ـ من أجله ـ من دياركم. فأيّ دين ، وأيّ مروءة وعقل ، يبقى مع العبد إذا والى الكفار ، الّذين هذا وصفهم ، في كلّ زمان أو مكان؟ ولا يمنعهم منه إلّا خوف ، أو مانع قوي. (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) ، أي : إن كان خروجكم ، مقصودكم به الجهاد في سبيل الله ، لإعلاء كلمة الله ، وابتغاء رضاه ، فاعملوا بمقتضى هذا ، من موالاة أولياء الله ، ومعاداة أعدائه ، فإن هذا من أعظم الجهاد في سبيله ، ومن أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى الله ، ويبتغون به رضاه. (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) ، أي : كيف تسرون المودة للكافرين ، وتخفونها ، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون ، وما تعلنون؟ ، فهو وإن