[١١] (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) ، أي : خرجوا من المسجد ، حرصا على ذلك اللهو ، وتلك التجارة ، وتركوا الخير (وَتَرَكُوكَ قائِماً) تخطب الناس ، وذلك في يوم الجمعة بينما النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب الناس ، إذ قدم المدينة ، غير تحمل تجارة ، فلما سمع الناس بها ، وهم في المسجد ، انفضوا من المسجد ، وتركوا النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب استعجالا لما لا ينبغي أن يستعجل له ، وترك أدب. (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) من الأجر والثواب ، لمن لازم الخير ، وصبر نفسه على عبادة الله. (خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) الّتي ، وإن حصل منها بعض المقاصد ، فإن ذلك قليل منقض ، مفوت لخير الآخرة ، وليس الصبر على طاعة الله مفوتا للرزق. (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب. وفي هذه الآيات فوائد عديدة : منها : أن الجمعة فريضة على المؤمنين ، يجب عليهم السعي إليها ، والمبادرة والاهتمام بشأنها. ومنها : أن الخطبتين يوم الجمعة ، فريضة يجب حضورهما ، لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين ، فأمر الله بالمضي إليه والسعي له. ومنها : مشروعية النداء للجمعة والأمر به. ومنها : النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة ، وتحريم ذلك ، وما ذاك إلّا أن يفوت الواجب ويشغل عنه. فدل ذلك على أن كلّ أمر ، وإن كان مباحا في الأصل ، إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب ، فإنه لا يجوز في تلك الحال. ومنها : الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة ، وذم من لم يحضرهما ، ومن لازم ذلك الإنصات لهما. ومنها : أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله ، وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات أن يذكرها ، بما عند الله من الخيرات ، وما لمؤثر رضاه على هواه. تم تفسير سورة الجمعة ، بمنى الله وعونه ـ والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة المنافقون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] لما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وكثر الإسلام فيها وعز ، صار أناس من أهلها ، من الأوس والخزرج ، يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر ، ليبقى جاههم ، وتحقن دماؤهم ، وتسلم أموالهم. فذكر الله من أوصافهم ما به يعرفون ، لكي يحذرهم العباد ، ويكونوا منهم على بصيرة ، فقال : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا) على وجه الكذب : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ، وهذه الشهادة من المنافقين على وجه الكذب والنفاق ، مع أنه لا حاجة لشهادتهم في تأييد رسوله. (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) في قولهم ودعواهم ، وأن ذلك ليس بحقيقة منهم.
[٢] (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ، أي : ترسا يتترسون بها ، من نسبتهم إلى النفاق. (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ)