وهو الإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره. وصدق إيمانه ، بما يقتضيه الإيمان من لوازمه وواجباته ، أن هذا السبب الذي قام به العبد ، أكبر سبب لهداية الله له في أقواله وأفعاله ، وجميع أحواله وفي علمه وعمله. وهذا أفضل جزاء ، يعطيه الله لأهل الإيمان ، كما قال تعالى ـ مخبرا ـ أنه يثبت المؤمنين في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة. وأصل الثبات : ثبات القلب وصبره ، ويقينه عند ورود كلّ فتنة ، فقال : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، فأهل الإيمان ، أهدى الناس قلوبا ، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات ، وذلك لما معهم من الإيمان.
[١٢] وقوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، أي : في امتثال أمرهما ، واجتناب نهيهما ، فإن طاعة الله ، وطاعة رسوله ، مدار السعادة ، وعنوان الفلاح. (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أي : عن طاعة الله وطاعة رسوله ، (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، أي : يبلغكم ما أرسل به إليكم ، بلاغا بينا واضحا ، فتقوم عليكم به الحجة ، وليس بيده من هدايتكم ، ولا من حسابكم شيء. وإنّما يحاسبكم على القيام بطاعة الله وطاعة رسوله ، أو عدم ذلك ، عالم الغيب والشهادة.
[١٣] (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، أي : هو المستحق للعبادة والألوهية ، فكل معبود سواه باطل. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ، أي : فليعتمدوا عليه في كلّ أمر نابهم ، وفيما يريدون القيام به. فإنه لا يتيسر أمر من الأمور إلّا بالله ، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالاعتماد على الله ، ولا يتم الاعتماد على الله ، حتى يحسن العبد ظنه بربه ، ويثق به في كفايته الأمر ، الذي يعتمد عليه به ، وبحسب إيمان العبد يكون توكله ، قوة وضعفا.
[١٤ ـ ١٥] هذا تحذير من الله للمؤمنين ، عن الاغترار بالأزواج والأولاد ، فإن بعضهم عدو لكم ، والعدو هو الذي يريد لك الشر ، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته ، والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد. فنصح تعالى عباده ، أن توجب لهم هذه المحبة ، الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد ، الّتي فيها محذور شرعي ، ورغبهم في امتثال أوامره ، وتقديم مرضاته بما عنده ، من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية ، والمحاب الغالية ، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية. ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد ، فيما هو ضرر على العبد ، والتحذير من ذلك ، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم ، أمر تعالى بالحذر منهم ، والصفح عنهم والعفو ، فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره ، فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا ، عفا الله عنه ، ومن صفح ، صفح عنه ، ومن عامل الله فيما يحب ، وعامل عباده بما يحبون ، وينفعهم ، نال محبة الله ، ومحبة عباده ، واستوثق له أمره.
[١٦] يأمر تعالى بتقواه ، الّتي هي امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة. فهذه الآية تدل على أن كلّ واجب عجز عنه العبد ، يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض الأمور ، وعجز عن بعضها ، فإنه يأتي بما قدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». ويدخل تحت