هذه القاعدة الشرعية من الفروع ، ما لا يدخل تحت الحصر. وقوله : (وَاسْمَعُوا) ، أي : اسمعوا ما يعظكم الله به ، وما يشرعه لكم ، من الأحكام واعلموا ذلك ، وانقادوا له (وَأَطِيعُوا) الله ورسوله في جميع أموركم. (وَأَنْفِقُوا) من النفقات الواجبة والمستحبة ، يكن ذلك الفعل منكم (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) في الدنيا والآخرة ، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله ، وقبول نصائحه ، والانقياد لشرعه ، والشر كله ، في مخالفة ذلك. ولكن ثمّ آفة تمنع كثيرا من الناس ، من النفقة المأمور بها ، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس ، فإنها تشح بالمال ، وتحب وجوده ، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة. (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) بأن تسمح بالإنفاق النافع لها (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لأنهم أدركوا المطلوب ، ونجوا من المرهوب ، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد ، ونهى عنه. فإنه إن كانت نفسه شحيحة ، لا تنقاد لما أمرت به ، ولا تخرج ما قبلها ، «من النفقات المأمورة بها» لم يفلح ، بل خسر الدنيا والآخرة. وإن كانت نفسه نفسا سمحة ، مطمئنة ، منشرحة لشرع الله ، طالبة لمرضاته ، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلّا العلم به ، ووصول معرفته إليها ، والبصيرة بأنه مرض لله ، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كلّ الفوز.
[١٧] ثمّ رغّب تعالى في النفقة ، فقال : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) وهو : كل نفقة كانت في الحلال ، وإذا قصد بها العبد وجه الله تعالى ، ووضعها في موضعها (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) ، النفقة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة. (وَ) مع المضاعفة أيضا (يَغْفِرْ لَكُمْ) بسبب الإنفاق والصدقة ، ذنوبكم ، فإن الذنوب تكفرها الصدقات والحسنات : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ). (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) لا يعاجل من عصاه ، بل يمهله ولا يهمله. (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). (وَاللهُ) تعالى (شَكُورٌ) يقبل من عباده اليسير من العمل ، ويجازيهم عليه الكثير من الأجر. ويشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق والأثقال ، وأنواع التكاليف الثقال ، ومن ترك شيئا ، عوضه الله خيرا منه.
[١٨] (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، أي : ما غاب عن العباد من الجنود الّتي لا يعلمها إلّا هو ، وما يشاهدونه من المخلوقات. (الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب ، ولا يمانع ، الذي قهر جميع الأشياء. (الْحَكِيمُ) في خلقه وأمره ، الذي يضع الأشياء مواضعها. تم تفسير سورة التغابن ـ ولله الحمد.
تفسير سورة الطلاق
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقول تعالى ـ مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ، أي : أردتم طلاقهن (ف) التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع ، ولا تبادروا بالطلاق ، من حين يوجد سببه ، من غير مراعاة لأمر الله. بل طلقوهن (لِعِدَّتِهِنَ) ، أي : لأجل عدتهن ، بأن يطلقها زوجها ، وهي طاهر ، في طهر لم يجامعها فيه ، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة. بخلاف ما لو طلقها وهي حائض ، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة ، الّتي وقع فيها الطلاق ، وتطول عليها العدة بسبب ذلك. وكذلك لو طلقها في طهر وطىء فيه ، فإنه لا يؤمن حملها ، فلا يتبين ، ولا يتضح بأي عدة تعتد. (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) وإحصاء العدة ، ضبطها إن كانت تحيض ، أو بالأشهر ، إن لم تكن تحيض ، وليست حاملا. فإن في إحصائها ، أداء لحق الله ، وحق الزوج المطلق ، وحق من سيتزوجها بعد ،