الضيق والكرب والغم ، أمر تعالى بتقواه ووعد من اتقاه في الطلاق وغيره بأن يجعل له فرجا ومخرجا. فإذا أراد العبد الطلاق ، ففعله على الوجه الشرعي ، بأن أوقعه طلقة واحدة ، في غير حيض ولا طهر أصابها فيه ، فإنه لا يضيق عليه الأمر ، بل جعل الله له فرجا وسعة ، يتمكن بها من الرجوع إلى النكاح ، إذا ندم على الطلاق. والآية ، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة ، فإن العبرة بعموم اللفظ ، فكل من اتقى الله ، ولازم مرضاته في جميع أحواله ، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة. ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجا ومخرجا من كلّ شدة ومشقة. وكما أن من اتقى الله ، جعل له فرجا ومخرجا ، فمن لم يتق الله ، يقع في الآصار والأغلال ، الّتي لا يقدرون على التخلص منها ، والخروج من تبعتها. واعتبر ذلك في الطلاق ، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه ، بل أوقعه ، على الوجه المحرم ، كالثلاث ونحوها ، فإنه لا بد أن يندم ندامة ، لا يتمكن من استدراكها ، والخروج منها.
[٣] وقوله : (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ، أي : يسوق الله الرزق للمتقي ، من وجه لا يحتسبه ، ولا يشعر به. (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في أمر دينه ودنياه ، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ، ودفع ما يضره ، ويثق به في تسهيل ذلك (فَهُوَ حَسْبُهُ) ، أي : كافيه الأمر الذي توكل عليه فيه. وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي ، العزيز الرحيم ، فهو أقرب إلى العبد من كلّ شيء. ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له ، فلهذا قال تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) ، أي : لا بد من نفوذ قضائه وقدره. ولكن (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) ، أي : وقتا ومقدارا ، لا يتعداه ، ولا يقصر عنه.
[٤] لما ذكر تعالى ، أن الطلاق المأمور به ، يكون لعدة النساء ، ذكر العدة ، فقال : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) بأن كن يحضن ، ثمّ ارتفع حيضهن ، لكبر أو غيره ، ولم يرج رجوعه (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) جعل كلّ شهر ، مقابله حيضة. (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) ، أي : الصغار اللائي لم يأتهن الحيض بعد ، أو البالغات ، اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية ، فإنهن كالآيسات ، عدتهن ثلاثة أشهر. وأما اللائي يحضن ، فذكر الله عدتهن في قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). وقوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) ، أي : عدتهن (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ، أي : جميع ما في بطونهن ، من واحد ، ومتعدد ، ولا عبرة حينئذ بالأشهر ولا غيرها. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) أي : من اتقى ، يسّر له الأمور ، وسهّل عليه كلّ عسير.
[٥] (ذلِكَ) ، أي : الحكم الذي بينه الله لكم (أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) لتمشوا عليه ، وتأتموا به ، وتعظموه. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) ، أي : يندفع عنه المحذور ، ويحصل له المطلوب.
[٦] تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات من البيوت ، وهنا أمر بإسكانهن وقدر إسكانهن بالمعروف ، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها ، بحسب وجد الزوج وعسره. (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) ، أي : لا تضاروهن ، عند سكناهن بالقول أو الفعل ، لأجل أن يمللن ، فيخرجن من البيوت ، قبل تمام العدة ، فتكونوا أنتم المخرجين لهن. وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن ، ونهاهن عن الخروج ، وأمر بسكناهن ، على وجه لا يحصل به عليهن