فلذلك شرع لكم من الأحكام ، ما يعلم أنه موافق لمصالحكم ، ومناسب لأحوالكم.
[٣] وقوله : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) قال كثير من المفسرين : هي حفصة ، أم المؤمنين رضي الله عنها ، أسرّ لها النبي صلىاللهعليهوسلم حديثا ، وأمر أن لا تخبر به أحدا ، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما. وأخبره الله بذلك الخبر ، الذي أذاعته ، فعرّفها صلىاللهعليهوسلم ، ببعض ما قالت ، وأعرض عن بعضه ، كرما منه صلىاللهعليهوسلم ، وحلما. (قالَتْ) له : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) الخبر الذي لم يخرج منا؟ (قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) الذي لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى.
[٤] وقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) الخطاب للزوجتين الكريمتين حفصة وعائشة رضي الله عنهما ، كانتا سببا لتحريم النبي صلىاللهعليهوسلم على نفسه ما يحبه. فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبكما قد صغت ، أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب ، مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واحترامه ، وأن لا يشققن عليه. (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) ، أي : تعاونا على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن. (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ، أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون له ، ومن كان هؤلاء أنصاره ، فهو المنصور ، وغيره إن يناوئه فهو مخذول. وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه الكريمة ، وخواص خلقه ، أعوانا لهذا الرسول الكريم. وفيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى.
[٥] ثمّ خوفهما أيضا ، بحالة تشق على النساء غاية المشقة ، وهو الطلاق ، الذي هو أكبر شيء عليهن ، فقال : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) ، أي : فلا تترفعن عليه ، فإنه لو طلقكن ، لا يضيق عليه الأمر ، ولم يكن مضطرا إليكن ، فإنه سيجد ، ويبدله الله أزواجا خيرا منكن ، دينا وجمالا ، وهذا من باب التعليق الذي لم يوجد ، ولا يلزم وجوده. فإنه ما طلقهن ، ولو طلقهن ، لكان ما ذكره الله من هذه الأزواج الفاضلات. (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) جامعات بين الإسلام ، وهو القيام بالشرائع الظاهرة ، والإيمان ، وهو : القيام بالشرائع الباطنة ، من العقائد وأعمال القلوب. (قانِتاتٍ) والقنوت هو : دوام الطاعة واستمرارها ، (تائِباتٍ) عما يكرهه الله ، فوصفهن بالقيام بما يحبه الله ، والتوبة عما يكرهه الله. (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) ، أي : بعضهن ثيب ، وبعضهن أبكار ، ليتنوع صلىاللهعليهوسلم فيما يحب. فلما سمعن ـ رضي الله عنهن ـ هذا التخويف والتأديب ، بادرن إلى رضا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان هذا الوصف منطبقا عليهن ، فصرن أفضل نساء المؤمنين.
[٦] أي : يا من منّ الله عليهم بالإيمان ، قوموا بلوازمه وشروطه. ف (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة ، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله ، امتثالا ، ونهيه اجتنابا ، والتوبة عما يسخط الله ، ويوجب العذاب. ووقاية الأهل والأولاد ، بتأديبهم وتعليمهم ، وإجبارهم على أمر الله. فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه ، وفيمن تحت ولايته وتصرفه. ووصف الله النار بهذه الأوصاف ، ليزجر عباده عن التهاون بأمره ، فقال : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ، كما قال تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها