الجنة ، ومجاورة الرب الكريم ، وسؤالها أن ينجيها من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة ، ومن فتنه كل ظالم. فاستجاب الله لها ، فعاشت في إيمان كامل ، وثبات تام ، ونجاة من الفتن ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام».
[١٢] وقوله : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) ، أي : حفظته وصانته عن الفاحشة ، لكمال ديانتها ، وعفتها ، ونزاهتها. (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) ، بأن نفخ جبريل عليهالسلام في جيب درعها ، فوصلت نفخته إلى مريم ، فجاء منها عيسى عليهالسلام ، الرسول الكريم والسيد العظيم. (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) ، وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة ، فإن التصديق بكلمات الله ، يشمل كلماته الدينية والقدرية. والتصديق بكتبه ، يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق ، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل ، ولهذا قال : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ، أي : المداومين على طاعة الله ، بخشية وخشوع. وهذا وصف لها بكمال العمل ، فإنها ـ رضي الله عنها ـ صديقة ، والصديقية هي : كمال العلم والعمل. تم تفسير سورة التحريم ـ بعون الله وتيسيره.
تفسير سورة الملك
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) ، أي : تعاظم وتعالى ، وكثر خيره ، وعم إحسانه. من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي ، فهو الذي خلقه ، ويتصرف فيه بما شاء ، من الأحكام القدرية ، والأحكام الدينية ، التابعة لحكمته. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، أي : ومن عظمته ، كمال قدرته ، الّتي يقدر بها على كلّ شيء ، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة ، كالسموات والأرض.
[٢] (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) أي : قدر لعباده أن يحييهم ثمّ يميتهم. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، أي : أخلصه وأصوبه ، وذلك أن الله خلق عباده ، وأخرجهم لهذه الدار ، وأخبرهم أنهم سينتقلون منها ، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ، فمن انقاد لأمر الله ، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي له العزة كلها ، الّتي قهر بها جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات. (الْغَفُورُ) عن المسيئين ، والمقصرين ، والمذنبين ، خصوصا إذا تابوا وأنابوا. فإنه يغفر ذنوبهم ، ولو بلغت عنان السماء ، ويستر عيوبهم ، ولو كانت ملء الدنيا.
[٣] (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) ، أي : كل واحدة فوق الأخرى ، ولسن طبقة واحدة ، وخلقها في غاية