عند أحد من الخلق ، ولا ملازمة بين هذا الخبر ، وبين الإخبار بوقته ، فإن الصدق يعرف بأدلته. وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته ، ما لا يبقى معه أدنى شك ، لمن ألقى السمع وهو شهيد.
[٢٧] يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا ، فإذا كان يوم الجزاء ، ورأوا العذاب منهم (زُلْفَةً) ، أي : قريبا ، ساءهم ذلك ، وأفظعهم ، وأقلقهم ، فتغيرت لذلك وجوههم ، ووبخوا على تكذيبهم ، وقيل : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ). فاليوم رأيتموه عيانا ، وانجلى لكم الأمر ، وتقطعت بكم الأسباب ، ولم يبق إلا مباشرة العذاب.
[٢٨] ولما كان المكذبون للرسول صلىاللهعليهوسلم ، الّذين يردون دعوته ، ينتظرون هلاكه ، ويتربصون به ريب المنون ، أمره الله أن يقول لهم : إنكم إن حصلت لكم أمنيتكم ، وأهلكني الله ومن معي ، فليس ذلك بنافع لكم شيئا ، لأنكم كفرتم بآيات الله ، واستحققتم العذاب ، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتّم وقوعه بكم؟ فإذا ، تعبكم وحرصكم على هلاكي ، غير مفيد ولا مجد لكم شيئا. ومن قولهم : إنهم على هدى ، والرسول على الضلال ، أعادوا في ذلك وأبدوا ، وجادلوا عليه وقاتلوا.
[٢٩] فأمر الله نبيه أن يخبر عن حاله ، وحال أتباعه ، ما به يتبين لكل أحد هداهم وتقواهم ، وهو أن يقولوا : (هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) ، والإيمان يشمل التصديق الباطن ، والأعمال الباطنة والظاهرة. ولما كانت الأعمال ، وجودها وكمالها ، متوقفان على التوكل ، خص الله التوكل من سائر الأعمال ، وإلا فهو داخل في الإيمان ، ومن جملة لوازمه كما قال تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فإذا كانت هذه حال الرسول ، وحال من اتبعه ، وهي الحال الّتي تتعين للفلاح ، وتتوقف عليها السعادة ، وحالة أعدائه بضدها ، فلا إيمان لهم ولا توكل ، علم بذلك ، من هو على هدى ، ومن هو في ضلال مبين. ثمّ أخبر عن انفراده بالنعم ، خصوصا الماء الذي جعل الله منه كلّ شيء حيّ ، فقال :
[٣٠] (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) ، أي : غائرا (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) تشربون منه ، وتسقون أنعامكم ، وأشجاركم ، وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي ، أي : لا يقدر أحد على ذلك ، غير الله تعالى. تم تفسير سورة الملك ـ والحمد لله.
تفسير سورة القلم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] يقسم تعالى بالقلم ، وهو اسم جنس شامل للأقلام ، الّتي تكتب بها أنواع العلوم ، ويسطر بها المنثور والمنظوم.
[٢] وذلك أن القلم ، وما يسطر به من أنواع الكلام ، من آياته العظيمة ، الّتي تستحق أن يقسم بها ، على براءة نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون ، فنفى عنه ذلك بنعمة ربه عليه ، وإحسانه ، حيث منّ عليه بالعقل الكامل ، والرأي الجزل ، والكلام الفصل ، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام ، وسطره الأنام ، وهذا هو السعادة في الدنيا.
[٣] ثمّ ذكر سعادته في الآخرة ، فقال : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣) ، أي : لأجرا عظيما ، كما يفيده التنكير ، غير مقطوع ، بل هو دائم مستمر. وذلك لما أسلفه النبي صلىاللهعليهوسلم من الأعمال الصالحة ، والأخلاق الكاملة ، والهداية إلى كلّ خير.
[٤] ولهذا قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ، أي : عليّ به ، مستعل بخلقك الذي منّ الله عليك به. وحاصل خلقه العظيم ، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه ، فقالت : «كان خلقه القرآن» ، وذلك نحو