سورة الحاقة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] (الْحَاقَّةُ) (١) من أسماء يوم القيامة ، لأنها تحق وتنزل بالخلق ، وتظهر فيها حقائق الأمور ، ومخبآت الصدور. فعظم تعالى شأنها وفخّمه ، بما كرّره من قوله : (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٣) فإن لها شأنا عظيما ، وهولا جسيما. ثمّ ذكر نموذجا من أحوالها الموجودة في الدنيا المشاهدة فيها ، وهو ما أحله من العقوبات البليغة بالأمم العاتية ، فقال :
[٤] (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) وهم : القبيلة المشهورة ، سكان الحجر ، الّذين أرسل الله إليهم رسوله صالحا عليهالسلام ، ينهاهم عما هم عليه من الشرك ، ويأمرهم بالتوحيد ، فردوا دعوته ، وكذبوه ، وكذبوا ما أخبر به من يوم القيامة ، وهي : القارعة الّتي تقرع الخلق بأهوالها. وكذلك عاد الأولى ، سكان حضرموت ، حين بعث الله إليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسّلام ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، فكذبوه ، وأنكروا ما أخبر به من البعث ، فأهلك الله الطائفتين بالهلاك العاجل :
[٥] (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٥) وهي : الصيحة العظيمة الفظيعة ، الّتي قطعت قلوبهم ، وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى ، لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم.
[٦] (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) ، أي : قوية شديدة الهبوب ، لها صوت أبلغ من صوت الرعد القاصف ، (عاتِيَةٍ) ، أي : عتت على خزانها ، على قول كثير من المفسرين ، أو عتت على عاد ، وزادت على الحد كما هو الصحيح.
[٧] (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) ، أي : نحسا وشرا فظيعا عليهم ، فدمرتهم وأهلكتهم. (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) ، أي : هلكى موتى ، (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) ، أي : كأنهم جذوع النخل ، الّتي قطعت رؤوسها الخاوية ، الساقط بعضها على بعض.
[٨] (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٨) ، وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر.
[٩] أي : وكذلك غير هاتين الأمتين الطاغيتين ، عاد وثمود ، جاء غيرهم من الطغاة العتاة ، كفرعون مصر ، الذي أرسل الله إليه عبده ورسوله ، موسى بن عمران عليه الصلاة والسّلام ، وأراهم من الآيات البينات ، ما تيقنوا بها الحقّ ، ولكن جحدوا وكفروا ، ظلما وعلوا ، وجاء من قبله من المكذبين. (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) ، أي : قرى قوم لوط ، الجميع جاءوا (بِالْخاطِئَةِ) ، أي : بالفعلة الطاغية ، وهو الكفر والتكذيب ، والظلم والمعاندة ، وما انضم إلى ذلك من أنواع المعاصي والفسوق.
[١٠] (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) وهذا اسم جنس ، أي : كل من هؤلاء كذبوا الرسول ، الذي أرسله الله إليهم. (فَأَخَذَهُمْ) الله جميعا (أَخْذَةً رابِيَةً) ، أي : زائدة على الحد والمقدار ، الذي يحصل به هلاكهم.
[١١] ومن جملة هؤلاء ، قوم نوح أغرقهم الله في الطوفان (لَمَّا طَغَى الْماءُ) على وجه الأرض ، علا على مواضعها الرفيعة. وامتنّ الله على الخلق الموجودين بعدهم أن حملهم (فِي الْجارِيَةِ) ، وهي السفينة : في أصلاب آبائهم وأمهاتهم ، الّذين نجاهم الله. فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين ، واعتبروا بآياته الدالة على