سورة المعارج
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] يقول تعالى ـ مبينا جهل المعاندين ، واستعجالهم لعذاب الله ، استهزاء وتعنتا وتعجيزا : (سَأَلَ سائِلٌ) ، أي : دعا داع ، واستفتح مستفتح (بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ) لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ) ، أي : ليس لهذا العذاب ، الذي استعجل به من استعجل ، من متمردي المشركين ، أحد يدفعه قبل نزوله ، أو يرفعه بعد نزوله. وهذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المكذبين ، فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم. فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله ، فإما أن يعجل لهم في الدنيا ، وإما أن يدخر لهم في الآخرة. فلو عرفوا الله ، وعرفوا عظمته ، وسعة سلطانه ، وكمال أسمائه وصفاته ، لما استعجلوا ولا ستسلموا وتأدبوا ، ولهذا ذكر تعالى من عظمته ، ما يضاد أقوالهم القبيحة ، فقال : (ذِي الْمَعارِجِ).
[٤] (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) ، أي : ذو العلو والجلال ، والعظمة ، والتدبير لسائر الخلق ، الذي تعرج إليه الملائكة ، بما جعلها على تدبيره ، وتعرج إليه الروح. وهذا اسم جنس ، يشمل الأرواح كلها ، برّها وفاجرها ، وهذا عند الوفاة. فأما الأبرار ، فتعرج أرواحهم إلى الله ، فيؤذن لها من سماء إلى سماء ، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عزوجل ربها ، فتحيّي وتسلم عليه ، وتحظى بقربه ، وتبتهج بالدنو منه ، ويحصل لها منه الثناء والإكرام ، والبر والإعظام. وأما أرواح الفجار ، فتعرج ، فإذا وصلت إلى السماء ، استأذنت فلا يؤذن لها ، وأعيدت إلى الأرض. ثمّ ذكر المسافة الّتي تعرج فيها الملائكة والروح إلى الله ، وأنها تعرج في يوم بما يسر لها من الأسباب ، وأعانها عليه من اللطافة والخفة ، وسرعة السير. مع أن تلك المسافة على السير المعتاد ، مقدار خمسين ألف سنة ، من ابتداء العروج إلى بلوغها ، ما حدّ لها ، وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى. فهذا الملك العظيم ، والعالم الكبير ، علويه وسفليه ، جميعه قد تولى خلقه وتدبيره ، العلي الأعلى. فعلم أحوالهم الظاهرة والباطنة ، ومستقرهم ومستودعهم ، وأوصلهم من رحمته وبره وإحسانه ، ما عمهم وشملهم ، وأجرى عليهم حكمه القدري وحكمه الشرعي ، وحكمه الجزائي. فبؤسا لأقوام جهلوا عظمته ، ولم يقدروه حق قدره ، فاستعجلوا بالعذاب على وجه التعجيز والامتحان. وسبحان الحليم الذي أمهلهم وما أهملهم ، وآذوه فصبر عليهم ، وعافاهم ورزقهم. هذا أحد الاحتمالات في تفسير هذه الآية الكريمة ، فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا ، لأن السياق الأول يدل عليه. ويحتمل أن هذا في يوم القيامة ، وأن الله تعالى يظهر لعباده في يوم القيامة ، من عظمته وجلاله وكبريائه ، ما هو أكبر دليل على معرفته ، مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح ، صاعدة ونازلة ، بالتدابير الإلهية ، والشؤون الربانية. (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) من طوله وشدته ، لكن الله تعالى ، يخففه على المؤمن.
[٥] وقوله : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) (٥) ، أي : اصبر على