والبعد عن الشرك وطرقه ، ووسائله ، فإنهم إذا اتقوا الله ، غفر ذنوبهم ، وإذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب ، والفوز بالثواب. (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، أي : يمتعكم في هذه الدار ، ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى ، أي : مقدر البقاء في الدنيا ، بقضاء الله وقدره ، إلى وقت محدود ، وليس المتاع أبدا ، فإن الموت لا بد منه ، ولهذا قال : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) كما كفرتم بالله ، وعاندتم الحقّ ، فلم يجيبوا لدعوته ، ولا انقادوا لأمره ، فقال شاكيا لربه :
[٥ ـ ٦] (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) (٦) ، أي : نفورا عن الحقّ وإعراضا ، فلم يبق لذلك فائدة ، لأن فائدة الدعوة أن يحصل جميع المقصود أو بعضه.
[٧] (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ) ، أي : لأجل أن يستجيبوا ، فإذا استجابوا ، غفرت لهم ، وهذا محض مصلحتهم ، ولكن أبوا ، إلا تماديا على باطلهم ، ونفورا عن الحقّ. (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليهالسلام. (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) ، أي : تغطوا بها غطاء يغشاهم ، بعدا عن الحقّ ، وبغضا له. (وَأَصَرُّوا) على كفرهم وشرهم (وَاسْتَكْبَرُوا) على الحقّ (اسْتِكْباراً) ، فشرّهم ازداد ، وخيرهم بعد.
[٨] (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) (٨) ، أي : بمسمع منهم كلهم.
[٩] (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) (٩) ، كل هذا حرص ونصح ، وإتيانهم بكل طريق يظن به حصول المقصود.
[١٠] (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ، أي : اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب ، واستغفروا الله منها. (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) كثير المغفرة لمن تاب واستغفر ، فرغبهم بمغفرة الذنوب ، وما يترتب عليها من الثواب ، واندفاع العقاب.
[١١] ورغّبهم أيضا بخير الدنيا العاجل ، فقال : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١) ، أي : مطرا متتابعا ، يروي الشعاب والوهاد ، ويحيي البلاد والعباد.
[١٢] (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) ، أي : يكثر أموالكم ، الّتي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا ، وأولادكم. (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.
[١٣] (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١٣) ، أي : لا تخافون لله عظمة ، وليس له عندكم قدر.
[١٤] (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) (١٤) ، أي : خلقا من بعد خلق ، في بطن الأم ، ثمّ في الرضاع ، ثمّ في سن الطفولة ، ثمّ التمييز ، ثمّ الشباب. ثمّ إلى آخر ما يصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع ، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد. وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على المعاد ، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم.
[١٥] واستدل أيضا بخلق السماوات ، الّتي هي أكبر من خلق الناس ، فقال : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (١٥) ، أي : كل سماء فوق الأخرى.
[١٦] (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) لأهل الأرض (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً). ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء ، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمة الله وسعة إحسانه ، فالعظيم الرحيم ، يستحق أن يعظم ويحب ويخاف ويرجى.
[١٧] (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١٧) حين خلق أباكم آدم وأنتم في صلبه.
[١٨] (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) عند الموت (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) للبعث والنشور ، فهو الذي يملك الحياة والموت