سورة الجن
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] أي : (قُلْ) يا أيها الرسول للناس (أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) صرفهم الله إلى رسوله ، لسماع آياته ، لتقوم عليهم الحجة ، وتتم عليهم النعمة ، ويكونوا منذرين لقومهم. وأمر رسوله ، أن يقص نبأهم على الناس ، وذلك : أنهم لما حضروه ، قالوا : أنصتوا ، فلما أنصتوا ، فهموا معانيه ، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم. (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) ، أي : من العجائب الغالية ، والمطالب العالية.
[٢] (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) ، والرشد : اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم. (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) فجمعوا بين الإيمان ، الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير ، وبين التقوى ، المتضمنة لترك الشر. ويجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه ، ما علموه من إرشادات القرآن ، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد ، واجتناب المضار ، فإن ذلك آية عظيمة ، وحجة قاطعة ، لمن استنار به ، واهتدى بهديه. وهذا هو الإيمان النافع ، المثمر لكل خير ، المبني على هداية القرآن ، بخلاف إيمان العوائد ، والمربى ، والإلف ونحو ذلك ، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة.
[٣] (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) ، أي : تعالت عظمته وتقدست أسماؤه. (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) فعلموا من جد الله وعظمته ، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا ، لأن له العظمة والجلال في كلّ صفة كمال. واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك ، لأنه يضاد كمال الغنى.
[٤] (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) (٤) ، أي : قولا جائرا عن الصواب ، متعديا للحد ، وما حمله على ذلك ، إلا سفهه ، وضعف عقله ، وإلّا فلو كان رزينا مطمئنا ، لعرف كيف يقول :
[٥] (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) (٥) ، أي : كنا مغترين قبل ذلك ، غرتنا السادة والرؤساء من الجن والإنس ، فأحسنا بهم الظن ، وحسبناهم لا يتجرأون على الكذب على الله ، فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم إذ بان لنا الحقّ ، سلكنا طريقه ، وانقدنا له ، ولم نبال بقول أحد من الخلق ، يعارض الهدى.
[٦] (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦) أي : كان الإنس يعوذون بالجن ، عند المخاوف والأفزاع ويعبدونهم ، فزاد الإنس الجن رهقا ، أي : طغيانا وتكبرا ، لما رأوا الإنس يعبدونهم ، ويستعيذون بهم. ويحتمل أن الضمير وهو «الواو» يرجع إلى الجن ، أي : زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ، ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم ، والتمسك بما هم عليه ، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف ، قال : «أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه».
[٧] (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٧) ، أي : فلما أنكروا البعث ، أقدموا على الشرك والطغيان.
[٨] (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) ، أي : أتيناها واختبرناها ، (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) عن الوصول إلى أرجائها ،