والدنو منها. (وَشُهُباً) يرمى بها من استرق السمع ، وهذا مخالف لعادتنا الأولى ، فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.
[٩] (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) ، أي : مرصدا له ، معدا لإتلافه وإحراقه ، أي : وهذا له شأن عظيم ، ونبأ جسيم.
[١٠] وجزموا أن الله تعالى ، أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا ، من خير أو شر ، فلهذا قالوا : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (١٠) ، أي : لا بد من هذا أو هذا ، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه ، فعرفوا بفطنتهم ، أن هذا الأمر يريده الله ، ويحدثه في الأرض. وفي هذا بيان لأدبهم ، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى ، والشر حذفوا فاعله تأدبا.
[١١] (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ، أي : فساق وفجار وكفار. (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) ، أي : فرقا متنوعة ، وأهواء متفرقة ، كل حزب بما لديهم فرحون.
[١٢] (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (١٢) ، أي : وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله ، وكمال عجزنا ، وأن نواصينا بيد الله ، فلن نعجزه في الأرض ، ولن نعجزه إن هربنا ، وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته ، لا ملجأ منه ، إلا إليه.
[١٣] (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) وهو القرآن الكريم ، الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعرفنا هدايته وإرشاده ، أثّر في قلوبنا و (آمَنَّا بِهِ). ثمّ ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا : (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) ، أي : من آمن به إيمانا صادقا ، فلا عليه نقص ، ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر ، حصل له الخير ، فالإيمان سبب داع إلى كل خير ، وانتفاء كلّ شر.
[١٤] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) ، أي : الجائرون ، العادلون ، عن الصراط المستقيم. (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) ، أي : أصابوا طريق الرشد ، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها.
[١٥] (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (١٥) وذلك جزاء على أعمالهم ، لا ظلم من الله لهم.
[١٦] (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) المثلى (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، أي : هنيئا مريئا ، ولم يمنعهم من ذلك ، إلا ظلمهم وعدوانهم.
[١٧] (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) ، أي : لنختبرهم ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب. (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) ، أي : من أعرض عن ذكر الله ، الذي هو كتابه ، فلم يتبعه ، وينقد له ، بل لها عنه وغفل ، يسلكه عذابا صعدا ، أي : بليغا شديدا.
[١٨] (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١٨) ، أي : لا دعاء عبادة ، ولا دعاء مسألة ، فإن المساجد ، الّتي هي أعظم محالّ للعبادة ، مبنية على الإخلاص لله ، والخضوع لعظمته ، والاستكانة لعزته.
[١٩] (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) ، أي : يسأله ويتعبد له ، ويقرأ القرآن. (كادُوا) ، أي : الجن من تكاثرهم عليه (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ، أي : متلبدين متراكمين ، حرصا على ما جاء به من الهدى.
[٢٠] (قُلْ) لهم يا أيها الرسول ، مبينا حقيقة ما تدعو إليه : (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) ، أي : أوحده ، وحده لا شريك له ، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان ، وكلّ ما يتخذه المشركون من دونه.
[٢١] (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) (٢١) ، فإني