الشرك ، وبينت حالة الخلق ، وأن كلّ أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة ؛ لأن الرسول محمدا صلىاللهعليهوسلم ، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا ، بل ولا يملك لنفسه ، علم أن الخلق كلهم كذلك ، فمن الخطأ والظلم اتخاذ من هذا وصفه إلها آخر. ومنها : أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها ، فلا يعلمها أحد من الخلق ، إلا من ارتضاه واختصه بعلم شيء منها. تم تفسير سورة الجن ـ والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة المزمل
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] المزمل : المتغطي بثيابه كالمدثر ، وهذا الوصف ، حصل من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حين أكرمه الله برسالته ، وابتدأه بإنزال وحيه بإرسال جبريل إليه ، فرأى أمرا لم ير مثله ، ولا يقدر على الثبات عليه إلا المرسلون ، فاعتراه عند ذلك انزعاج ، حين رأى جبريل عليهالسلام ، فأتى إلى أهله فقال : «زملوني زملوني» وهو ترعد فرائصه. ثمّ جاءه جبريل ، فقال : «اقرأ» ، فقال : «ما أنا بقارئ» ، فغطه حتى بلغ منه الجهد ، وهو يعالجه على القراءة ، فقرأ صلىاللهعليهوسلم. ثمّ ألقى الله عليه الثبات ، وتابع عليه الوحي ، حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين. فسبحان الله ، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها ، ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف ، الذي وجد منه أول أمره. فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به ، ثمّ أمره بالصبر على أذية قومه ، ثمّ أمره بالصدع بأمره ، وإعلان دعوتهم إلى الله.
[٢] فأمره هنا بأشرف العبادات ، وهي الصلاة ، وبآكد الأوقات وأفضلها ، وهو قيام الليل. ومن رحمته به ، أنه لم يأمره بقيام الليل كله ، بل قال : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).
[٣] ثمّ قدر ذلك ، فقال : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ) ، أي : من النصف (قَلِيلاً) بأن يكون الثلث ونحوه
[٤] (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) ، أي : على النصف ، فيكون نحو الثلثين. (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر ، وتحريك القلوب به ، والتعبد بآياته ، والتهيؤ والاستعداد التام له.
[٥] فإنه قال : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥) ، أي : نوحي إليك هذا القرآن الثقيل ، أي : العظيمة معانيه ، الجليلة أوصافه ، وما كان بهذا الوصف ، حقيق أن يتهيأ له ، ويرتل ، ويتفكر فيما يشتمل عليه. ثمّ ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل ، فقال :
[٦] (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) ، أي : الصلاة فيه بعد النوم (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) ، أي : أقرب إلى حصول مقصود القرآن ، يتواطأ عليه القلب واللسان ، وتقل الشواغل ، ويفهم ما يقول ، ويستقيم له أمره. وهذا بخلاف النهار ، فإنه لا تحصل به هذه المقاصد ، ولهذا قال :
[٧] (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧) ، أي : ترددا في حوائجك ومعاشك ، يوجب اشتغال القلب ، وعدم تفرغه التفرغ التام.
[٨] (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) شامل لأنواع الذكر كلها (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ، أي : انقطع إليه ، فإن الانقطاع إلى الله ، والإنابة إليه ، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق ، والاتصاف بمحبة الله ، وما يقرب إليه ، ويدني من رضاه.
[٩] (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وهذا اسم جنس ، يشمل المشارق والمغارب كلها ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب ، وما يكون فيها من الأنوار ، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي ، فهو رب كلّ شيء ، وخالقه ، ومدبره. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، أي : لا معبود إلا وجهه الأعلى ، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ، والإجلال والتكريم ، ولهذا قال : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، أي : حافظا ومدبرا لأمورك كلها.
[١٠] فلما أمره الله بالصلاة خصوصا ، وبالذكر عموما ، وبذلك تحصل للعبد ملكة قوية ، في تحمل الأثقال ، وفعل الشاق من الأعمال ، أمره بالصبر ، على ما يقوله